This website is being formatted... please be patient until we finish our upgrading...

الثلاثاء، تشرين الثاني ٢١، ٢٠٠٦

حوارٌ مع لبنان


شهيرٌ من الشرق الغريب، نَطق باسمه كلّ لسانٍ على هذه البسيطة… لبنان العظيم، وصفوه بالغنى والجمال…
لم يعرف أحدٌ يوماً سرّ جماله وغناه… لكنّهم حفظوه كذلك، دون أن يفهموه…
يحتفل العالم قريباً بعيده الواحد بعد الستين… فقرّرنا زيارته لكشف بعض الجوانب من شخصيته، وتصحيح بعض الخرافات التي لا يزال العديد يؤمنون بها…
سألنا عن مكان إقامته، فقالوا لنا أنّه يعيش في أحد الجبال البيضاء قرب البحر…
نظرنا صوبها فوجدنا الضباب يغطّيها…
فشلنا في إقناع سائقٍ واحد ليأخذنا إلى هناك… ما من واحدٍ سألناه إلا وقال: لست مجنوناً بعد لأذهب إلى هناك…
سألنا عن السبب، فقال أحدهم: يا عزيزي، كلّ الحكومات التي مرّت علينا كانت مفلسة… وبما أنّها لا تستطيع تأمين بعض الحُماة له، جعلت طريق الوصول إليه وعرة… حُفر أكبر من سياراتنا، إن خرجنا منها تنال منّا المطبّات…
قلنا له: غريب… ما نعرفه عنه هو غير ذلك تماماً! أليس غنيّاً كفاية كي لا يحتاج إلى حكومات؟
قال أحدهم: سرقوه!
وقال آخر: لم يبق معه شيء…
قلنا: من فعل ذلك؟!
قال أحدهم: اسأله هو…
قال آخر هازئاً: هم سرقوه…
بدأ شجارٌ عنيفٌ بين الرجلين… فقال الأوّل: لا تقل عن رفقائي شيئاً، نحن ديننا يحرّم السرقة… فردّ عليه الآخر: وديننا يحرّم ذلك أيضاً… قال الأوّل: لا تقل عنهم سارقين… قال الآخر: هم سارقين…
ابتعدنا عنهم مستغربين من طريقة تصرّفهم… فاستأجرنا سيارةً أوصانا صاحبها أن نستعملها أينما أردنا، لكن ألا نصعد إلى ذاك الجبل…
ركنّاها على طرف الطريق المؤدّي إليه وبدأنا بالصعود على أقدامنا…
رأينا الحفر التي وصفوها لنا… فقلت لرفيقي: لم أرى بحياتي أغبى من هذه الحكومات… أبهذه الطريقة نحمي الأوطان؟
فقال رفيقي: ليس بالطرق وحدها تحيا الأوطان… لا بدّ من سببٍ لذلك… لا بدّ أنّ فيه من الزراعة والصناعة والسياحة ما يكفي!
قلت: سياحة! مع هكذا طريق؟!
قال: ما بالك لا تقرأ عن الطرق الجديدة للسياحة… هنا يطبقّون نفس الطرق التي في الدول الكبرى… ينزل السيّاح ويرحلون بالطوافات والبواخر… فما حاجتهم إلى طرقات…
قلت له: ولماذا لم نأتِ نحن إلى سفارتنا بدلاً من كلّ هذا العذاب؟
قال: السفير كان غائباً عن السمع يوم أتينا… والقنصل لم يستقبلنا لأنّه كان مشغولاً… وسكريتيرة السفارة نصحتنا بأن نتدبّر أمورنا بأنفسنا… فنحن راشدين، وسعادتهم (سعادة السفير وأعوانه) تعلو وتزيد إن أثبتنا ذلك…
قلت: معك حقّ… أفضّل ألا يُربحني أحدٌ جميلاً… لكن ألا يفترض أنّ هذا السفير وأعوانه يتقاضون أجراً مأخوذاً من أجورنا؟!…
قال: أخفض صوتك… إن سمعوك ههنا وأنت تقول هذا تُسجن!
قلت: ولماذا أُسجن؟
قال: اصمت فقط…
قلت: لن أصمت…
قال: يا أخي أصمت… كلّ من يفتح فاه هنا، يُتّهم بأنّه من قتلة الشهيد!
قلت: ما دخلي أنا بقتلة الشهيد! أنا ضدّ القتل أصلاً وفصلاً…
قال: يا أخي أصمت…
قلت: ومن هو الشهيد؟!
قال: هل جئت معك لتحاورني أنا أم لتحاور لبنان؟! إسأله هو ما تريد…

صمتُّ… لكنّي لم أوقف عيناي من النظر يمنةً ويسرى بحثاً عن الغنى والجمال…
طبعاً لم أجد شيئاً من كلّ ما كنت قد رسمت في مخيّلتي…
بحثت عن الزراعة فوجدت أراضيها قاحلة… لم ألتقِ إلا بفلاحٍ واحدٍ يعمل، أمّا الباقون فكانوا في أفواج الراحلين كأن نكبةً قد حلّت في أرض الخيرات…
بحثت عن الصناعة فوجدت المعامل مغلقة…
خرجت عن صمتي وقلت لرفيقي: على ماذا يعيش أهل هذه الأرض؟
قال ضاحكاً: على الطائفية، والإنتخابات…

وصلنا إلى حيث قيل لنا أنّ لبنان يسكن… وكان الضباب يملأ المكان… لم نعد نعرف إن كنّا نتوجّه شمالاً أو جنوباً، شرقاً أو غرباً… بالكاد استطعنا قراءة بعض اليافطات الممزّقة… منها ما كان يقول: هنا لبنان… أنا لبنان… أنتم لبنان… كلّنا لبنان… كلّكم لبنان…
وحدنا لبنان… وحدكم لبنان… وحدهم لبنان…
لنا لبنان… لهم لبنان… لكم لبنان…
لبّيك… لبّيكم… لبّيهم…
نعم… لا… لن… إنّنا… إنّهم…
الحقيقة… الكذبة…
الإحتلال… التحرير…
المقاومة، الخنوع…
الموت… تحيا…
قتلة… خونة…
الشهيد، الشهداء…
سارقون… أنقياء وأتقياء…

تهنا من كثرة الشعارات والكلمات… لم نعد نعرف أين سنجده بين النعم واللا…
طرحنا السؤال على أنفسنا: هل جئنا لنرى لبنان، أم نحن في مجاهل الأمازون؟ حتى قبائل الأمازون لها بعض نقاط التشابه… على الأقلّ أكثر ممّا تشبه النعم اللا…

وجدناه أخيراً… شيخٌ جليل أكبر بكثير مما قالوه لنا… ربّما عشرات المئات من السنين…
كان جالساً يقراً في كرسيّه الهزّاز، محاطاً بعددٍ كبيرٍ من المعاجم والكتب…
ألقينا التحية، فردّ بألفٍ منها… وقال: تفضلّوا…
جلسنا متفرّسين في وجهه، حتى ضحك بصوتٍ عالٍ وقال: من تكونون؟
قلنا: جئنا لنضيء على بعض جوانب شخصتيك… ولنعيّدك بعيدك الواحد والستين… لكن نعتذر على الإهانة… الآن عرفنا أنّك أكبر بكثيرٍ من ذلك…
فقهقه قائلاً: أهذا ما يسوّقوه عندكم… أنا عمري واحدٌ وستون سنة؟! تبّاً لإعلام هذه الأيام… لقد أصبح صوت الرعيان العميان الذي يرمي في كلّ يومٍ قطعاني في الهاوية…
ثم أضاف: من أرسلكم؟
قلنا: جئنا من تلقاء أنفسنا…
فقال: ما زال هناك من أحرار في هذا العالم!! تفضّلا اسألا ما تريدان… عليّ أن أنهي كتابة معجمي…
قلت: ما هي هذه المعاجم المحيطة بك؟
قال: هذا معجم كلّ فريقٍٍ يعيش في ظلّي… عليّ أن أجمعهم كلّهم في معجمٍ واحد… لقد غضب الله عليهم جميعاً وبلبلهم…
قلت: أتقصد أنّك ستكتب في كتابٍ واحد كلّ اليافطات التي وجدناها في الخارج؟
قال: نعم… كلّهم في واحد…
قلت: وكيف ستجمع الأضّاد؟
قال: الوطن… المحبّة… التسامح… الوطنية… الحرية… السيادة… العلمانية…
قلت: وهل سيقرأون في معجمك؟
قال: يوم ألقي القبض على كلّ السياسيين… سوف أجبرهم على قراءته في السجن…
قلت: الصف الأوّل؟ أم الثاني؟…
قال: أعرف أنّك لم تفهمني… سأسجنهم فيّ كي لا يسمعوا إلا صوتي…
قلت: ما هي مشكلتهم الحقيقية؟
قال: كلّ منهم يريد كلّ شيء! كنت في السابق أعطيهم فيصمتون، لكن اليوم لم يعد لديّ شيء… فصاروا يريدون من بعضهم…
قلت: ما هي قصّة الشهيد؟ من قتله؟!
قال: الشهيد إبني… شعبي… وقد قتله الفاسدون والفسّادون والمفسدون…
قلت: وما هي هذه الحقيقة؟
قال: كلّهم يعرفونها… فليَدَََعوا شعبي بسلام…
قلت: لماذا الأرض مقفرة، والمعامل مقفلة؟
قال: يوم أطرد التجار من الهيكل سأعيد النباتات إلى الأرض، وسأفتح المصانع من جديد…
قلت: أيّ حكمٍ تفضّل؟ الديموقراطية الأكثرية؟ التوافقية؟ الإشتراكية؟ الليبيرالية؟ الديكتاتورية؟
قال: حكم القانون…
قلت: ما الذي ينقص شعبك؟
قال: العدل…
قلت: ما سبب وعورة الطريق إليك؟ أبهذه الطريقة تحميك الحكومات؟
قال: من أخبركم بذلك؟! هذه الطريق وعرة كي أضجر فأرحل… لكنّ المراهنين على ذلك أصابهم الوهن… أنا لا أرحل ولا أضجر ولا أموت…
قلت: لماذا يريدونك أن ترحل؟
قال: منزلي واقعٌ في منتصف مخطّط طريقهم… وبما أنّي لم أستسلم، لم ولن تمرّ هذه الطريق يوماً…
قلت: ماذا يعني لك الإستقلال؟
قال: أن أرى شعبي بألف خير…
قلت: متى سيكون ذلك؟
قال: عندما يوصدون الأبواب التي تدخل منها الريح…
قلت: هل تقصد السفارات، أم أنّك تعني قطع الخطوط الهاتفية؟
قال: قصدي آذانهم…
قلت: نصف شعبك رحل، هل سيعود يوماً؟
قال: ما إن تزهر أوّل نبتة سيعودون كلّهم…
قلت: هل أنت متفائل؟
قال: صرت كبيراً جداً على التشاؤم…

ودّعناه وتركناه لينهي معجمه… وقد وعدته أنّه ما أن ينتهي منه سأطبعه وأوّزعه على حسابي…
عندما وصلت مع رفيقي إلى السيارة، جلسنا قليلاً نتأمّل فيما سمعناه منه… فقلت لرفيقي: ما رأيك؟ هل تعتقد أنّنا في المرّة القادمة سنستطيع الوصول إليه بالسيارة؟
قال: ولما لا؟ كل شيءٍ ممكن…

أعدنا السيارة إلى صاحبها… وفي طريق العودة وجدنا السائقين الذين كانا يتشاجران لدى صعودنا، جالسين سويّاً يشربان القهوة كأنّ شيئاً لم يكن…

السبت، تشرين الثاني ١١، ٢٠٠٦

عاد الحاج


هكذا عرفه الناس، حتى حجب لقبه اسمه الحقيقي، الذي لا يعرفه إلا قلّة من أهل القرية…
كان الحاج صاحب الدكّان الوحيد، يعتاش ممّا يجود عليه هو وزوجته وكلّ أهل القرية بدون استثناء إذ لم يكن لديه أولاد…
يذكره والدي مذ كان صغيراً… ولم تمرّ ليلة إلا وحدثتنا أمّي واحدةً من القصص، يكون في أغلب الأحيان هو وزوجته من أبطالها…
الكلّ يذكره بشعره الناصع البياض، وجنتيه الحمراوين، ضحكته وشرواله… وكما عرفوه هم، عرفته أنا وتعلّقت به منذ صغري…

لطالما أرسلتني أمّي إلى محلّه الصغير لأحضر بعض الأغراض… كنت أدخل بيته وهو دكانه في الوقت نفسه… فأضيع بين أكياس العدس والأرزّ… وأمرغ يداي في أكياس التوابل… كما كنت أضع حبوب القمح في يدي، ثم أعيدها إلى موضعها حبّة حبّة…
لم يتذمّر يوماً… وفي كلّ زيارةٍ كان يسألني عن إسمي… وطبعاً عن إسم أبي وأمي… فأقول: يا حاج، أنا ابن ميشال وحنان… فيقول: يا سبحان الله… ميشال وحنان صار عندهم شاب (كان عمري خمس سنوات)… فأنال قبلة من زوجته، وتندسّ في جيوبي السكاكر وبعض الفستق المملّح…
كنت أعود فرحاً إلى البيت، فأخبر أمّي بما حظيت… فتقول، ما يقوم به معك، قام به معي ومع أبيك، كما مع كلّ أبناء القرية… هم مثالٌ يا ولدي، فلنقتدي بهما بالمحبّة…
ميزان رزقهما لم يكن أبداً في صالح الحساب… فهم لم يتعلّماه يوماً ولم يكتباه… كانا يشتريان بضاعتهما على ألوان الأكياس… لم يعرفا يوماً ما دخل المحل، ولا ما خرج منه…
إن طلبت كيلو، تنال كيلو ومئة غرام على أقلّ تقدير…
إن دفعت ثمن عشرة من السكاكر الملوّنة التي على شكل الحبال، تنال حبلاً طويلاً لم يعدّ ما فيه يوماً…
ومن لم يزره في دكّانه، ينال نصيبه من الحمّص المملّح والسكاكر إن واظب على الذهاب إلى الكنيسة يوم الأحد… الحاج كان رجل المبخرة، المسؤول عن إشعال فحمتها، ووضع البخور فيها ما إن ينضب دخانها…
كان يعرّج على حارتنا بعد القدّاس، فيستقبل في كلّ بيت كأنّه منه …

ذات يوم أصاب الحاجّة التهابٌ رئويٌ حاد، ولم تستطع الإفلات من قبضة الموت… فانتحب الحاج الضاحك لأيّامٍ طويلة… ولم يعد محلّه كما يعرفه الناس… فقد الكثير من وزنه… لكنّه ما لبث أن عاد إلى الحياة بعد شهور… إلى الحياة، لكن ليس العاديّة…

غياب الشريكة لم يكن بالسهل… فصار العجوز مجبراً على خدمة نفسه… هو الذي لم يعد له من نفس… إلى أن جاءه مرض “زنّار النار” فطرحه في الفراش… وأبعد عنه كلّ أهل القرية خوفاً من العدوى (مع أنّه ليس بهذه الخطورة)… ولم يبقَ له إلا سيدة فاضلة، زارته كلّ يومٍ أو يومين، غسلت ثيابه وحضّرت له الطعام… (لن آتي على وصفها بدقّة، لأنّ ما فعلته كان لله لا لتبجلّها ألسنة الناس).

نقل الحاج إلى دار الراحة بدعمٍ من الكنيسة التي خدمها منذ صغره… هناك استعاد البعض من عافيته… وفقد الكثير من قدراته الإدراكية…
زرناه في يومٍ من الأيام، فوجدناه يساعد أحد العجائز على السير… اقتربنا منه، وسألناه هل تذكرنا؟ فردّ بضحكته المعهودة، وجوابه المتوقّع: ابن من أنت؟
فقلت: إبن ميشال وحنان…
فقال: ومن يكونان؟
قلت: إثنين من عدبل…
فبتسم ابتسامةً عريضة… وقبّلني…
سألت عنه مدير الدار، فقال: لم أرى في كلّ حياتي رجلاً مثله… الضحكة على وجهه طول النهار، وقد صبغ بها كلّ العجائز الموجودين ههنا… أتتخيل؟! لقد أجرينا انتخابات، فانتخبوه ملك جمال دار الراحة…

اليوم وبينما كنت أكلّم أختي، قالت: عندي خبر يحزنك… فقلت: قولي ما عندك…
قالت: الحاج…
قلت: لا تقولي أنّه مات…
قالت: لا أزال أذكر القصص التي كانت تخبرنا إيّاها أمّي… لقد بكيت عندما عرفت بذلك… عليك أن ترى الدموع في عيون رجال القرية ونسائها… يا أخي، ربّما لم يكن له من يورثه، لكنّ الله لم يحرمه من ألف صبيّ وبنت، ربّاهم كلّهم بمحبّة…

ثمرة تشرين


هل هناك أشهى من ثمار تشرين ؟
هل هناك ألذّ منها ؟
لا ، لا وألف لا…
فتشرين هو خلاصة الفصول…
خلاصة الشتاء الذي عصر أمطاره من الغيوم وعبّأها في جرار الأرض…
خلاصة الربيع الذي سكر من ماء الشتاء، وأيقظته الشمس أشجاراً وأوراقاً وأزهاراً…
خلاصة الصيف الذي ورث كنوز الربيع، وأقام الشمس وصيّاً عليها لتحميها وتنضجها…

تشرين هو يوم ميلادك …
يومٌ سلّمكِ كنوز الطبيعة…
فأطعميها للناس ولا تبخلي،
أطعميها لمن ولدوا في الشتاء ، في فصل موت الطبيعة ،
كي يستطيعوا العيش ليروا الربيع …

أمثال ألمانية


- العلماء يضعون الروزنامة والله يصنع الطقس.
- من يكسر أسنانه بقشر اللوز، نادراً ما يأكل لبّه.
- العين التي لا تريد النظر لا تنفعها النظّارات ولا الشمعة.
- نسمع سقوط المطر ولا نسمع هبوط الثلج. نسمع عجيج الآلام الخفيفة ولا نسمع صمت الآلام العميقة.
- أفضل كتاب توصية هو الجمال.
- الخجول يخاف أمام الخطر، الجبان في وسطه، والشجاع بعده.
- من يبحث عن الظلم لا يحتاج إلى مصباح.
- إن أردت التنعم بما تستحق، هبِ الآخريم ما يستحقّون.
- السنابل الفارغة تشمخ برأسها.
- يهدم الزمان ما صُنِع، ويهدم اللسان ما سوف يصنع.
- من أحرق لسانه لا ينسَ نفخَ حسائه.

السبت، تشرين الأول ٢٨، ٢٠٠٦

أمثال أفريقية


- إذا لم يسمع الأصمّ صوت الرعد، فإنّه سيرى حبّات المطر.
- مهما أظلم الليل لا تضيّع اليد طريقها إلى الفم.
- لا يبكي الصوص ريشه بل حياته.
- متى قطع رأس الحيّة يصبح الباقي حبلاً.
- يدلّك على القمر وتنظر إلى إصبعه.
- الكلمة التي اجتازت الفم تعبر الجبال بسرعة.

الاثنين، أيلول ٠٤، ٢٠٠٦

ثورة القلوب


في مقابل التحرّر الأخرق الذي يملأ المجتمعات الغربية، نجد شبابنا وبناتنا مكبّلين بنظام إجتماعي لا يرحم… كأنّ الحلول الوسطية اختفت من الأرض، ولم يعد هناك من مكان إلا للتعصّب والتطرّف الأعمى…
نعم، الفرق شاسعٌ بين من لا يسأل عن أحد عندما يختار، وبين من عليه أخذ موافقة المجالس العليا في منزله وقريته وطائفته…
بالنسبة لهذه المجالس، لا معنى للحب… قد يكون موجوداً، لكنّه على الأرجح شعورٌ خاطئ… طبعاً، فالمعنيّين لا يعرفان مصلحتهما، والأوصياء هم من عليهم الإختيار…
عندما يكون الشاب مليءٌ بالعلل، يمكن أحياناً غضّ النظر… لا أحد يعرف قوانينهم أو مقاييسهم… وإن كان خالٍ من العلل، فإيجاد حجّة هو من أسهل الأمور… كذلك الحال بالنسبة لأختنا الشرقيّة… وهي التي تدفع للأسف الثمن الأغلى لكلّ مشكلة…
ما ذنب الشاب أو الفتاة إن كان عمّ خالته(ا) سكيراً؟ فلا هما ولداه، ولا هما ربّياه، ولا حتى اختاروا أن يكونوا من عائلته!
لماذا عليهم أن يدفعوا ثمن دينٍ أو طائفة ولدهم الله فيها، ولم يختاروها بأنفسهم؟! ثمّ ما العلّة في ذلك؟ ومنذ متى يملؤكم الإيمان، أو حتى تعرفون ما معنى الدين؟ إفتحوا لنا كتب دينكم، وأرونا الآيات التي تمنع عليهم ذلك!…
ما هو هذا الشيء الذي يخيف الجميع؟ ما هو الذي يضحّى لأجله بقلوب وشعور وحياة الأبناء؟
ما هو شعور الأم أو الأب الذي يضرب ابنته لأنّها أحبّت من غير دينها؟ أو حتى يبصق في وجه من أحبّته… وتعامل مثل مجرمة، خارجة على القانون (أيّ قانون؟)… ممنوع يعني ممنوع… النقاش في هذا الموضوع هو مثل الكفر على الله (وهم يكفرون عليه أصلاً مئة مرّة في اليوم)…
ما هو شعور الأهل الذين يقولون لابنهم، إن فعلت ذلك لا ولن نعرفك بعد اليوم… (أيّ دين يأمر بذلك؟)…
فجأة يصبح الحبّ مرضاً، بينما هو أصل كلّ شيء…
وفجأة تصبح تعاليم الأهل عن المحبة مجرّد نسبية، تنطبق في حالات، وتلغى من الوجود في كلّ الحالات الأخرى…

لماذا الخوف؟
إنّها تعاليم الناس التي لم تكتبها يد… وكلام الناس الذي لا يعجبه عجب، ولا ينام ثانية إلا ليستفيق مع تلفيقاتٍ جديدة، هبطت على دماغه في الليل بينما كان يفكّر كيف يجعل حياة غيره مقرفة…
يخاف الأهل على نفسهم واسمهم وشرفهم، كأنّنا بحبّنا نفسد الأرض… كأنّه علينا أن نعمل بما يأمره الناس، لا بما يأمره الله! وكأنّ الناس هم من يتوجّع عنّا، أو يتحمّل عنّا…
لن أقول افتحوا كتب الدين، لكن افتحوا كتب واحدٍ من الناس… واحدٌ كتب الأرواح المتمردة… عظمتموه وافخرتم به، لكن ما زلتم ترفضون تبنّي أقواله، تماماً كما ترفضون تبنّي أولادكم…

ستقولون لي أيّها الشباب والبنات: من هو ذا الذي يستطيع التخلّي عن أهله في هذه الأيام الصعبة؟! المغامر قد يجد نفسه خارج البيت، وبعيداً عن كلّ مساعدة… وأنا أقول لكم، إن كنتم تؤمنون بهذا الحب، فلا تنكسوا أعلام ثورتكم، لئلا تتكبلوا بالسلاسل كلّ حياتكم… لئلا تقضوا العمر في الزنى…

الاثنين، آب ٢٨، ٢٠٠٦

جسر للتاريخ


أبى جسر عرقة إلا وأن يدخل التاريخ…
لطالما كانت القلعة إلى جانبه ليل نهار… شارك رفاتها حرّ الصيف وبرد الشتاء، نور الأيّام وظلمتها… لكنه كان يحسد شهرتها…
هي قلبَها منذ ألف عام زلزالٌ من تحت، فأتاه في الألفية الثانية زلزالٌ من فوق… صوّب عليه ورماه في النهر كمجرد لعبة على حاسوب… مجرّد لعبة، لا أكثر ولا أقل من حفنة بارود وحفنات من الحقد…

قلعة عرقة التي ابتلعتها التلة الأثرية، استدرجت باحثين من كلّ أنحاء الأرض لا زالوا ينقّبون فيها… وفي كلّ يومٍ يجدون شيئاً جديداً…
جسر عرقة لن يستميل باحثين ولا منقبين، فهو لا يحتوي على فن… هو لهم فقط كومة حجارة…

قيل: “لا تكرهوا شيئاً لعلّه خيراً لكم”، كما قيل “التاريخ يعيد نفسه”…
فما المشترك بين الخير وعودة التاريخ؟!
الجواب سهلٌ جداً… انزلوا إلى النهر والمسوا حجارة الجسر المتناثرة… ماذا تحسّون؟ ماذا تجدون؟
إنه عرق جدودنا أيّها العكاريون… عرق جدودنا الأحرار… ديب، يوسف، محمد، حنا، سليم، خالد، إسبر… وكلّ عكّاري بطل من كلّ بيتٍ وقرية… وكلّ امرأةٍ عكارية حملت على رأسها زوادة لتوصلها إلى زوجها أو أخوها أو قريبها، دون أن تنسى زيادة الطعام لكلّ من ليس له ليأكل…
انزلوا إلى النهر… نقّبوا… فتجدون حقّاً ما هو أغلى من كلّ ذهب وقلاع العالم… نعم! إنّها وحدتهم وإرادتهم…

فلنعد التاريخ…
اختاروا يوماً، جمّعوا بعضكم… وليضع كلّ واحدٍ حجر… لنبن ِ سويّاً يداً بيد، وحجراً بحجر جسراً جديداً للمستقبل…
باشروا اليوم، ولا تتوقفوا عن بنائه كلّ أيّام حياتكم، فلا يضطر التاريخ أن يعيد نفسه مرّةً أخرى ليذكر أولادنا كم ثمن “الجسور”…

السبت، آب ٢٦، ٢٠٠٦

البيادر المحروقة


هطلت الخيرات فأنبتت وأنجبت أرض الخصب والعشق… كلّ المواسم كانت لأهل البيت الواحد… ومن الوفرة تكاثر علينا المحبّون من كلّ حدبٍ وصوب… الكلّ هدفهم أن يكون إنتاجنا الأعظم… والمثل لكلّ أهل الأرض…
لطالما رمينا سبب عجزنا وفشلنا على الآخرين… طبعاً فهذا يريحنا ويغطّي عورتنا… ولم نقبل يوماً بأن نعترف أنّ السوس يسرح ويمرح داخل بيتنا الصغير… نتغنى بالوحدة… طبعاً هي كلمات يلوّح بها مذياعنا وترقص على شفاه شاشاتنا… هذه هي الطريقة لصون منزلنا… فإن قلناها تختنق المدافع بسمومها، والصواريخ تأبى الإنطلاق…
قد تخالون السوس عميل…
السوس هو الفساد الذي أكلنا ولا يزال… حتى صمتنا عنه وجهٌ من أوجهه…
تارةً يأكل حقّ طائفةٍ أو حزبٍ أو جماعة، فيهيجها ضد الآخرين… “أكلوا حقوقنا… نحن محرومين… نحن مكتئبين”… ولا أستطيع أن أقول كم يجمع وراءه من يقول ذلك…
وتارةً يأكل من محصول القوي فيزداد بطشاً بكلّ الآخرين، لكسرةٍ في نفسه أو لفتحةٍ في رأسه… والفيلم يدوم ويدوم…
لا تضيعوا كثيراً… ما زلت أتكلّم عن أهل البيت الواحد…
ثلاثة ملايين… أربعة… خمسة… طبعاً أنا أتكلّم عن لبنان، وليس عن مليار وستمائة مليون صيني…
شيعة كنتم أم سنّة أم موارنة أم أرثذوكس أم كاثوليك أم دروز أم سريان أم… ماذا يعني؟!…
من أنتم؟ لبنانيين أم ماذا؟
هل ستقاتلون بعضكم أم ستقتلوا السوس الذي هو سبب كلّ عللكم؟!
أم ستنتظرون كم سيعطيكم السوس من حصص وحقوق جديدة؟
مثلٌ سهل! فحتى ما تجنوه من أخ شيعي أو سنّي أو ماروني أو أورثوذكسي أو كاثوليكي أو درزي… يملؤه السوس… كلّ أكياس قمحهم وقمحكم الذي هو قمح الوطن يملؤه السوس…
أنتم لم ولن تربحوا شيئاً… خسارة كلّ حقدكم وحروبكم الكلامية والمعنوية…
كفاكم اتهامات لبعضكم بالعمالة لمشاريع… فكلّكم عملاء وعمّال لبنان…
فرقتكم وفسادكم ومؤاثرتكم مصلحة جماعةٍ على مصلحة الوطن، هي من تستقطب الأعداء… تماماً كما تستقبل الطرق المنحدرة مياه الأمطار…
يا إخوة كلّ جيراننا يحبّونا لدرجة “من الحب ما قتل”… كلّ واحد عينه على حصصكم… يحسدكم على قطرة المطر المتساقطة على رؤوسكم… على نسمات جبالكم… على ضحكتكم… على حبّكم للحياة…

اليوم احترقت كل البيادر… وبقي السوس مكانه!… طبعاً فهو يعرف أكثر منكم أنّ الموسم القادم وافر…
لن أقول فات الأوان وأنا أراكم تنظرون في عيون بعضكم قائلين: “على ماذا كنّا مختلفين؟!”…
ماذا؟!… الدمعة في عيونكم؟!… كم أنتم صغار؟!…
أنظروا واتعظوا… معركةٌ صغيرة بين شعب الله وحزبه حوّلت البحر الأبيض إلى البحر الأسود! فغيرت في أيامٍ كلّ الجغرافيا!!
أيّها الإخوة المعركة الحقيقية هي منكم وفيكم وإليكم… أقتلوا الفساد قبل بناء البيت…
هلموا معي إلى حرب التغيير والإصلاح… فننظف تاريخنا ونبيّض مستقبلنا دون الإقتراب من البحر الأحمر…

الاثنين، تموز ١٧، ٢٠٠٦

عبّاد الضوء الأخضر


إثر كلّ الفشل الذي لحق بكلّ ما عمل قادة الأرض الأغبياء، رغم أنّهم غير مقتنعين بحالهم التافهة، وانكشافهم أمام الأمم بجمعها وطرحها، قرّروا أن يزوروا سيّدهم الذي لم يروه يوماً لأخذ النصح… رغم أنّه ليس من عاداتهم أخذ القرارات…
كالعادة لا يحقّ لهم رؤيته أو حتى سماع صوته… فهو صامتٌ، يخطّط أكثر ممّا يتكلّم… يرى ولا يرى… سلطته تعلوهم جميعاً، وهو يعيّنهم ويختار خلفاءهم من نفس الطينة الفاسدة… لا يعرفون إن كان مات يوماً، إن كان هو نفسه في كلّ الحالات، لكن ما همّهم ما دامت كراسيهم ملتسقة بقفاهم، وكلّ مقدّرات الأرض في أيديهم…
دخلوا إلى مركزه البسيط رغم معرفتهم بغناه الفاحش، الطبيعي عند من يسيطر على أموال الأرض وعلى كلّ أبواقها وحكّامها… لم يلاقهم أحدٌ للحفاظ على رهبة المكان، وجلسوا على طاولةٍ مستديرة كامنة في بهوٍ ضوؤه خافت… تفاجأوا ببعضهم، هم من يسبّون بعضهم ليل نهار… كانوا هناك جميعاً: اليمين واليسار، الوسط… المتشدّدين والمتسامحين… الديموقراطيين والدكتاتوريين والإشتراكيين… مؤمنين وملحدين… من كلّ بلدان العالم أتوا دون استثناء… أتوا لأخذ النصح: ماذا نفعل بعد…
ركعوا وصلّوا قائلين: يا سيّد زد أموالنا وأملاكنا… علِّ مقامنا، زد سطوتنا… يا قوي قوّنا بقوّتك… أعمِ عيون الناس عنّا… اجعلنا فوق كلّ شيء لكي نخدمك… أولادنا يرسلون لك ولاءهم… وينتظرون خدمتك من بعدنا… فلا تحرمنا وتحرمهم من كلّ ما لديك…
ثم عاد الصمت ليغلب كثرة أعدادهم الخانعة والسافلة… حنوا رؤوسهم منتظرين أن يأتي الجواب… وكانوا يستلّون النظر على بعضهم البعض، وهم يقولون في نفوسهم: كيف يعقل أن أكون معه على نفس الطاولة!!… لكن هذه حكمة السيّد، فهو يعرف أنّ وجود كلّ منّا مبرّرٌ لوجود الآخر… ما همّنا نحن، المهم أن نبقى في مراكزنا… والكلام مجاني لا أحد يحاسب عليه… غذاً ننتقد بعضنا… لكن كما يأمر السيّد…
كان الأغبياء ينتظرون بينما كان سيّدهم يأكل عسل ملكة النحل… فعمره الطويل الذي بات يعتقده أبديّة يعود لأكله من حدائقه الخاصة، وليس من ما توزّعه شركاته وشركات أزلامه من طعامٍ مسمومٍ على كلّ البشر… كان ينظر إلهم من خلال تلفازه الصغير، فيرى عرق الذل يتساقط من على جباههم، وكان يتلذّذ بضعفهم كما بعدّ دقات قلوبهم…
دقّت الساعة… رنّ جرس صغير في القاعة فزادت عدد دقات قلوبهم أضعاف… سيأتي جواب السيّد…
ركعوا على الأرض وانتظروا قدوم الصوت أو العلامة المنتظرة… راحوا ينظرون صوب بعضهم وصوب وسط الطاولة حيث كان يوجد مصباحٌ كهربائي صغير… الذي ما أنير باللون الأخضر… فهلّلوا وفرحوا وعانقوا بعضهم قائلين: إنّه الأخضر… إنّه الضوء الأخضر… المجد لك يا سيّدنا… المجد لك…
فخرجوا من هناك… وانهال على لبنان الانتقام… وعلى شعب لبنان الظلم والتدمير…
قادة العالم يعيشون في نشوة ضوء إلههم الأخضر… فلا تسألوهم رحمة أو مساعدة…
هم منتشون والعالم بألف خير!!
هم يرون بيروت تحترق فيعتقدون أنّه مغيب الشمس…
هم يسمعون بكاء الأطفال فيخالونه ابتهالاً لإلههم…
هم يعتقدون عنين وأوجاع أمهات وطني أهازيج…
العالم بألف خير… لاعبٌ نطح لاعباً كتبت عنه صحفهم وتكلمت عنه وسائل إعلامهم أكثر من إبادتنا جماعياً…
العالم بألف خير…
اعتقدوا وآمنوا كما قال لهم سيّدهم أنّ لبنان هو البيوت والجسور والطرقات… اعتقدوا أنّ لبنان إن ضربوه وشرذموه سيركع لإلههم…

فلنذكرهم ولنذكر سيّدهم الغبي، الجالس في غرفة المرايا يراقب جمال نفسه كلّ النهار والليل، والذي يعتقد أنّه يدير العالم بكبسة زر…
لبنان أيّها الغبي لا ولن ينحني أمامك… لا ولن يموت… لأنّ إسم الله مختومٌ على جباله… فعبثاً كلّ محاولاتك…

الثلاثاء، تموز ١١، ٢٠٠٦

من قال أنّه بعيد؟


أغرق سيّد العالم البشرية في الخوف والظلام... ضاع كلّ شيء في قعر بحر الحياة... والناس صارت جثثاً هامدة، لا تسير إن لم تحرّكها تيارات باردة وساخنة...
إنه سيد العالم، الملك الزائف الذي أقنع الناس بالغوص في العمق، علّهم يجدون الحقيقة... لكن بقي له البعض على السطح... فلم يتوقف يوماً عن مصارعتهم... بينما كان ولا يزال كلّ منهم طافياً على نسرةٍ من خشب الصليب... فلا تلطمهم موجة إلا إذا كانت أقوى من سابقتها...
و الغارقون لم يتوقفوا نزولاً عند رغبة "ملكهم" عن دعوة "السطحيين الساذجين" إلى النزول... ولا يجيئهم إلا هذا الرد: شكراً... نحن نهوى لا بل ونتقن التزلج على الماء...
فيضحك أبناء الأعماق "الذين يعرفون معنى الحياة" قائلين: ستندمون لأنّكم لم تتلذوا...
ويردّ "السطحيون": من قال أنّنا لا نتلذذ...
فيردّ أهل الأعماق: ستأتون إلينا، وتكونون منّا عاجلاً أم آجلاً... ويردّ "السطحيون": أخطأتم التقدير... هذا غير ممكن... صحيحٌ أنّ كلاً منّا على نسرة صغيرة من خشبة الصليب، تتقاذفنا يمنةً ويسرةً، طلوعاً ونزولاً رياح سيّدكم العاتية... تلطّخ وجوهنا "المياه" فتعتقدوننا تعبين أو أنّنا نبكي... تتصوّرون أنّنا سنغرق لكن هذا غير ممكن...
نعم، كلٌّ منّا على نسرة، لكن كلّنا على الصليب، وكلّنا مع الصليب على ظهر المسيح... نذكّركم أنّ الخشب لا يغرق... والمسيح لا يغرق... فكيف نغرق نحن!!

السبت، تموز ٠٨، ٢٠٠٦

أمثال أرمنية


- يأتي الألم راكباً حصاناً، ويطلّ الشفاء سائراً على قدميه.
- من يركض كثيراً لا يصل دوماً بسرعة.
- يريد شراء إبرة ويسأل عن سعر الحديد.
- أعط من يقول الحقيقة، حصاناً سيحتاج إليه ليهرب.
- ارتكب السارق ذنباً، وارتكب المسروق مئة.
- تنحت الشبيبة في الحجر، وتنحت الشيخوخة في الثلج.
- زهرة القمم لا تتخلى عن مكانها لوردة الحديقة.
- إذا كان صدري ضيقاً فماذا ينفعني وسع العالم.
- المرأة تشبه القمر: تارةً تبدو فضيّة وتارةً تبدو ذهبيّة.
- إختر زوجتك بعين شيخ، واختر حصانك بعين شاب.
- لا تناسب الوحدة إلا الله.

السبت، حزيران ٢٤، ٢٠٠٦

العنصرية والتسلّط


قد يخال للقارئ في الوهلة الأولى أنّني سأهاجم الغرب أو البيض وظلمهم لكلّ الجنسيات البشرية…
فقد انطبعت فكرة العنصرية في أفكارنا ممّا قرأناه وشاهدناه أو سمعناه… وقد تحسّرت قلوبنا لما حصل مع الأفارقة الذين انهانوا وضربوا في كثيرٍ من الأحيان حتى الموت… لكنّنا لا نعرف عاهاتنا، تماماً كما قيل: يرى الوبرة في عين غيره ولا يرَ الخشبة التي في عينه…
فنحن الشعب الذي لا يعلوه أحدٌ، ما زالت تسمية الأسوَد لدينا عبد، وكلّ الخدم والحشم سيريلنكيات… كأنّ اللّه خلقنا ولم يخلق السود، أو كأنّ أهالي سيريلنكا والفليبين وأثيوبيا شعبٌ حقير يجب إذلاله وتسخيره…
عبادتنا للمظاهر تقتضي بأن نذهب إلى كلّ مكان واضعين خادمة على خصورنا الممشوقة، تحمل الأكياس والأغراض، بينما يفتح الأسياد أبواب السيارة بكبسة زرٍ من بعيد… أو تتأبّط أطفالهم وتعطيهم ما يحرموهم من الحنان… أو تجرّ إلى المنزل قارورة الغاز وقوارير المياه التي يتعدّى وزنها نصف وزنها الجسدي… بينما حضرة الرجل يتسلى بسبحة في يديه، والسيدة تقلّم أظافرها… وأولادهم يدفعونها يمنةً وشمالاً، دون أن يحقّ لها حتى التذمّر… والأتفه من ذلك، وهو أمرٌ مقزّزٌ فعلاً… عندما يزورون المطاعم، ويجلسون على الطاولات ليلتهموا كلّ ما تطاله أيدينا، بينما المسكينة تنتظر من بعيد… حاملة حقيبة السيدة الفخمة، وتحضر لسيدها أو سيدتها الهاتف النقّال الذي لا يتوقف دقيقة عن الرنين، وعندما توصله تتلقى كلّ أنواع الشتائم والإهانات لأنّها تأخرت قليلاً… وعندما ينتهون من الطعام يقدموا لها البعض مما فضل عنهم، فيحسّون بأنّهم أطعموا جائعاً، وأن لهم ملكوت السماوات…
وتلك السيدة الغبية، التي تريد أن تفاخر على نظيراتها الأغبى ببيتٍ يحتوي على ألف غرفة، لا تتوقّف عن ملاحقة الخادمة المسكينة، لأنّها تركت بعض الغبار على طاولةٍ لا يدخلها أحدٌ حتى أهل البيت… فتنال بعضاً من الضربات والوعيد، لأنّ هذه الغرفة كانت يجب أن تلمع، إذ أنّ المسيح الذي لا ولم يخطئ سيدخل هذه الغرفة على حين غفلة…
وذاك السيد الفارغ، المكشّر عن أنيابه في وجهها، لا يترك مناسبة دون أن يصرخ عليها أو يضربها، طبعاً فهي مخلوقة وضيعة وحضرته من سلالة الملائكة… وعند غياب السيدة، ينسى أصله وفصله ليتحرّش بها ويغتصبها، والويل الويل إن فتحت فاها لتقول آخ…
لو انتهت المصائب هنا كان لكلّ حادثٍ حديث… فما نهشه البيت من جسمها، يكمل عليه شباب الحيّ الأبطال، الذين يتباهون بأنهم غسلوها جيداً قبل أن يفعلوا فعلتهم… فهي طبعاً أقذر منهم بأشواط!…
وما إن تتكاثر الأخطاء التي ليس لها أيّ معنىً، والتي إن كان للسيد أو السيدة العظيمين قليل من الدماغ لعرفوا قيمة ما يعانيه هذا الشخص معهم، ولحملوا أو عملوا عنه القليل… لكن طبعاً هذا كلامٌ غير مقبول، فهي تأخذ منهم في كلّ آخر شهر ما يعادل مائة دولار… فهل يقبل هؤلاء أن يعملوا واحد بالمئة ممّا يجبرون المساكين على فعله بنفس السعر؟؟؟…
تتكاثر الأخطاء الغبية نعم، فيأتي الأمر العظيم بإعادتها إلى مكتبها، لأنّها باتت تضرّ أكثر ممّا تنفع… فينهال عليها الآخرون بالضرب والسباب لأنّها سوّدت صفحاتهم مع زبونٍ مهم… ولأنّها عاهرة فقيرة… نعم، كلّ هذا لأنّها فقيرة…
هل سأل أحدهم عن الأطفال المنتظرين في جهة أخرى من الأرض لهذه المسكينة؟ هل عرف أحدهم أنّها أمّ أو زوجة أو إبنة… أنّها لأجل الفاقة رضيت الذل والمهانة… لأجل العوز، ولكي لا تحرم أولادها من لقمة أتلفت نفسها…
هل نظر إليها أحدٌ يوماً كإنسان… هل شاهد أحدكم يوماً الدموع في عينيها؟
هل لهذه الدرجة صارت حياة الإنسان رخيصة، مائة دولار فتدوس إنساناً آخر برجليك…
هل ستذكر أنّ الدهر دولاب؟ أنّك قد تكون في الحضيض يوماً ما؟
لا تقولوا لي بيتنا كبير! صغّروه أو تحمّلوا مسؤوليته بأنفسكم…
لا تقولوا لي أعمالنا كثيرة، قلّلوها! حتى الآن لم يقنعني أحدٌ يمغزى تكديس الأموال…
نحن حقّاً شعبٌ مقزز… عنصري مقرف…نتهم الغرب بالقلوب المتحجرة بينما نحن مقالع لها…
لا يضيق في عيننا إلا تلك الحفنة التي ندفعها لهؤلاء المسكين، بينما نهدر أموالنا على كلّ تفاهةٍ في الحياة…
ألا يمكن مثلاً أن نقوم بإماتة، ونجمع ما نفكّر بإعطائها، ونرسلها لها شهرياً إلى بلدها، بينما تكون قرب أهلها وأولادها… فنحجز بذلك لنا بيتاً في السماء، بدل الجحيم الحتمي، لأنّه لمن لا يعرف: إنّ اللّه يسمع أنينهنّ…

معارك الشوق والحنين


قال كثيرون: حتى اليوم ما من أحدٍ عاش ولم تمر عليه عجلاتهما، ولم تمزّق قلبه سهامهما…
نقفل أبوابنا فيدخلان من الشبابيك… ننام فيلقي اتحادهما ظلاله على فراشنا… نغمض جفننا فينقضّان علينا مع كلّ صورةٍ أو مشهد أو صوتٍ يمرّ في بالنا… لا بل ويتسللان خلسةً مع كلّ لونٍ ورائحة…
من نحن لنقف في وجه قوّاتهما؟!… ففي أيدينا حجارة وحراب، وفي يديهما كلّ سلاحٍ فتّاك…
هما ليسا أعداءً ككلّ الآخرين، إذ أنّ فيهما الكثير من الخبث!… فمن ذا الذي يجرحك بطرف سيفه، ويبتهج حين يراك طريحاً، متمنيّاً لو يأتي الموت ويريحك من كلّ شيء…
اعتقد البعض منّا أنّ تقسية قلوبهم درعٌ واقٍ في وجهيهما، فانكسروا بكلّ سهولة عند أوّل مواجهة…
اعتقد آخرون أنّهم إن آمنوا بهما ومجّدوهما ينأون بأنفسهم، فاحترقوا فجأةً على مذبحهما… لماذا؟!
لأن الشوق والحنين مثل الشمس، إن كنت في جوفها، أو على سطحها، أو في أجوائها ستلتهب لا محالة…
قال الباقون: الشوق والحنين ينبعان منّا، هلمّ لنبن السدود ونوقف تدفقهما… فانهارت جدرانهم الهشّة بسبب جروح الماضي… وتهّددت حياتهم وحياة الآخرين بفيضاناتها…

لا شكّ أنّ الشوق والحنين منّا وفينا… فهما الروح في زهرة حياتنا، التي تتبدّل ملامحها، ويتغير رحيقها مع كلّ فصل… يولدان ويبقيان معنا… جذورهما في قلوبنا… وغذاءهما من كلّ ما نسحبه من الأرض ممزوجاً ببعض ما يسقط من السماء…
لكن نحن أوجدنا الأشواك لأنّنا نخاف المستقبل، مع أنّ السماء وغيوم آمالها لا تزال موجودة، والأرض لم تتوقّف يوماً عن العطاء…
كيف يعقل إذن أن يكون الشوق والحنين هما السيئين؟!…
ألسنا نحن من يرمي على الآخرين سبب ضعفنا؟
فما دخلهما إن كنّا أرضيين وهما سماويين؟!
ما ذنبهما إن كان حبّنا نفهمه امتلاكاً للأشياء والآخرين، وإن أضعنا قناعتنا في دهاليز أمراضنا النفسية؟!…

أجمل حكي


ما في إنسان مرق ، عم يمرق ، أو رح يمرق عها الأرض الأم إلّا ونطبع بقلبو جرح ، جرح حبّ أو محبّة ، جرح فراق ، جرح ظلم أو جرح وحدة ….
جرح دايماً حيّ لأنّو مرتبط بوجود حيّ …المحبّة صعبة تنعاش بس وحدا بتستحق تنعاش .
الحب صعب يخلق من المدى مراية لحب الّله اللي كلنا منتوق الو حتّى بدون ما نعرف ، بس وحدو هوّي هدف حياتنا …
المحبّة هيّ الّله والّله هوّي حبّ ومن ها المنطلق إنوجدت الحياة ، وعا هالأساس لازم نعيش …
هيك بيصير فينا نفهم إنّو قد ما غرقنا ببحور الحبّ منبقى نقطة ببحر حب الّله وقد ما حسّينا إنّا إنجرحنا وعم ننزف من آلام الحبّ بيبقى إحساس ورغم قيمتو بيبقى نسرة بخشبة صليب الرب …
هيدي حالة الديني الّلي مطلوب منّا نعلا فوقا ، نسمى ونتطهر عنار الحبّ حتّى نوصل لعمق المحبّة اللي بتحب وبتفرّح ، بتعطي وبتفهم ، بتقدّر وبتختفي ، بتعطي الطعام بوقتو …
إنشالله من خلال ها الكلمات كون عطيتك نقطة ماي بوقتها … يعني بحاجتها …
وبالنهاية بقلّك الله كبير ، سلموا ذاتك وتروك الباقي عليه …
وقبل ما إنهي اليمامة اللي حكيت عنّا بشعرك هيّ ذاتك ، هي اللي عمتحكي فيك وتكتب بأناملك .
وانشالله يوم من الإيام بصير إستحق طير ، والنضج والنضارة والدفء والمحبّة اللي حكيت عنن بيكونو جوانحي للأبد … حتى صير ملك الأبد …
By W7W

الجمعة، حزيران ٠٢، ٢٠٠٦

لا يبقى إلا الصوت

الطريق يجتاز عروق الحياة
المناخ الرحمي للقمر، بروعته
سيميت الخلايا العفنة
وفي الفضاء الخيماوي بُعيدَ شروق الشمس
الصوت فقط
ستمتصّه عناصر الزمن الدقيقة
لِمَ أتوقف؟
لِمَ أتوقف؟ لماذا؟
الطيور رحلت بحثاً عن اتجاهٍ أزرق
الأفق عمودي والحركة ينبوع
وفي أقاصي الرؤية
تدوم الكواكب مضيئة...
الأرض في الأعالي... تتبوأ التكرار
وآبار الهواء
تتحوّل إلى أنفاق التواصل.
نقاط العلام لمقياس الرحيل لا تغادر مدار الصفر
لِمَ أتوقف...؟
ترجمة عن الفارسية للشاعر فروغ فرخزاد

الخميس، حزيران ٠١، ٢٠٠٦

أين هو الشعب العظيم؟


منذ أوّل مرّة وطأت قدماي تلك التي أطلقوا عليها إسم محميات جبال القموعة، وأنا أسمع بالمصيبة تلو الأخرى… فما ألبث أتقدّم حتى أجد ورائي الجبال تحترق، وما رأيته أخضراً في زيارة أراه بنّياً في الرحلة القادمة… والشجرة التي عصت على النار قطّعوا أوصالها… إذ يبدو أنّ هؤلاء العظماء عندهم عقدة نقص من الصلع، فيرمون عقدتهم على كلّ ما يرون كي يحسّوا أنفسهم طبيعيين…
دعونا نتكلّم عن مجلس البيئة في القبيات… الدكتور أنطوان ضاهر، جوني حنّا، رودريغو زهر وكثيرين من المثقفين العكاريين والناشطين البيئيين ومحبّي الطبيعة أمثال الدكتور كلود وإيدي اسكندر… هؤلاء أيّها السادة من خيرة المثقفين والوطنيين الشرفاء، الذين يضحون بوقتهم وعملهم لإظهار الوجه الحقيقي للبنان، أو على الأقل الحفاظ على هذا الوجه ريثما يأتي من يعرف حقاً قيمة أرضه وما عليها…
لقد رفض هؤلاء الأبطال فكرة الحدود الوهمية بين المناطق والأديان، وكانوا من الأوائل الذي تخطّوا كنيسة الشنبوق (حدود القبيات من جهة الجبال على الطريق المؤدية إلى الهرمل الأبيّة)… فوصلوا على ظهور دراجاتهم وحتى على أرجلهم إلى القموعة وفنيدق، حتى جرود الضنيّة والقرنة السوداء… علّموا كثيرين من بلدتهم محبة الأرض، وأثبتوا للجميع جمالها الخلاق… فما هي مكافآتهم؟! تفضلوا واسمعوا…
حرمهم نواب المنطقة من كلّ غطاءٍ سياسي أو دعمٍ مادي… فتحرّكوا وحرّكوا معارفهم، فأمّنت لهم البطريركية المارونية دعماً ماديّاً من الفاتيكان… وكان المشروع النموذجي بتطويق كيلومتر مربّع من أرض التي يطلق عليها إسم محمية، بهدف دراسة بيئية معمّقة لطبيعة النباتات وسرعة نمو بذار الأشجار وغيرها… طبعاً وضع الشريط الشائك لمنع الماعز (الممنوع تربيته فعليّاً بحسب القانون اللبناني)… فما كان من الحكومة اللبنانية الموقرة إلا أن رفعت دعوى على مجلس البيئة القبيات ممثل بشخص رئيسه أنطوان ضاهر… لماذا؟ لأنهم يسيطرون ويعتدون على أملاكٍ عامة!!!.
سيّروا مسيرات درّاجة وأدخلوا رياضة التزلج للمرّة الأولى إلى الربوع العكارية… ونصيبهم كان تطاير الرصاص فوق رؤوسهم…
نجوا بأعجوبة من دعوى الدولة اللبنانية ضدّهم، فاستفاقوا في اليوم التالي ليروا اللهب قد أكل المحمية النموذجية… فضاع التعب والمال والأرض… والدراسة… وبقيت الشرائط الشائكة لتطوّق أرضاً سوداء… والدعوى في أدراج قوى الأمن ضد مجهول…
هذا الأسبوع كان لنا النصيب الأجمل… لقد أصبحت مقتنعاً بأنّ من يقطع شجرة بوسعه قتل بشري بكلّ برودة قلب…
إيدي اسكندر أحد أصدقائي، المتطوّع مجاناً في الدفاع المدني، خرج من منزله حاملاً كاميرته، غايته السير وتنشق هواء الغابات المحيطة بقريته… مسالمٌ ولا يحمل أيّ سلاح… أطلقت عليه مباشرةً رصاصتين اخترقت إحداهما جنبه، فسقط أرضاً… ولولا العناية الإلهية لكان فقد كلّ دمائه بعيداً عن كلّ عين… وهو اليوم في حالٍ خطرة في إحدى مستشفيات العاصمة حيث أجريت له عملية طارئة…
وعلى حسابه الشخصي لأنّ المتطوعين مجاناً في الدفاع المدني لا يستحقون عناية الضمان لأنهم لا يخدمون الأمة اللبنانية…
ماذا بعد؟
من التالي؟
قد أكون أنا في المرّة القادمة… أو أيٌّ من أصدقائي الآخرين… وسيكتب (إن كتب) في الصحف اللبنانية أنّه قُتل بينما كان يمارس هواية التصوير، وقد فتحت القوى الأمنية تحقيقاً في الحادث…
ولمن لا يعرف، عندما أتمشى هناك، لا أخاف من الحيوانات لأنّها غير موجودةٍ أصلاً… بل أخاف من شيءٍ آخر…
هذه القصة أكبر بكثير من حطّاب قطع شجرة كي يصنّع منها الفحم، ليرفع الجوع والبرد عن عائلته…
ما هو الذي يخيف هؤلاء من سيرنا في الغابة؟…
حسناً، أظنّ أنّه على الدولة المعظّمة لا سمح الله فتح تحقيق وتفتيش المنطقة بدقّة، وإطلاع الشعب على ماهية البيوت الصغيرة المخفية في عمق الغابات، وملاحقة آثار السيارات الرباعية الدفع في عمق الجبال، لأنّ المهربين والخارجين على القانون لا ولن يسلكوا الطريق الرئيسية حيث يتمركز الجيش اللبناني… لكن هل من يسمع؟!

السبت، أيار ٢٠، ٢٠٠٦

ثورة الشياطين


في كل يومٍ نستفيق على نعيق الغربان، ليخبرونا بأنّ أحدهم اكتشف ما سيهزّ المسيحية بأسرها، وأنّ إيماننا إنّما فاسدٌ فاسق، لا بل حتى غبي... لأنّ المسيح الذي نعرفه ليس هو الحقيقي... فمنهم من يقول أنّه انتحر... ومنهم أنّه غير موجود... ومنهم من يقول أنّ القصص التي وصلتنا شوّهتها الكنيسة لغايةٍ في رأسها... وأتفهها على الإطلاق هو ما تنشره وسائل الإعلام فرحةً وشرهةً، الإكتشاف الحدث الذي سيحرّرنا من نير المسيح... فتعرض قطعاً من رمز دا فنشي، كأنّها ضربات المسامير الأخيرة في تابوت المسيحية المتقهقرة... وصورة كاتبه دان براون المتحرّر ضاحكاً في أولى صفحات الكتاب على كلّ من فيه ذرّةٌ من الإيمان... هذا الرجل الذي لن ندينه، بل دينونته ستكون في مكانٍ آخر... لأنّه "الويل لمن تكون به العثرة"... فهو لا يبرح يكرّر صلواتٍ للشيطان في كتابه العظيم (أكان ذلك عن قصد أو عن غير قصد)...
إنّ من يربح هو من يضحك في النهاية... هو من تصفّق له ملائكة السماء، لا من يبجّله الناس... فما من شكّ أنّه باستطاعتك شراء من يصفّق لك ليل نهار، إذ أنّك جنيت الكثير والحمدللّه من إعلان ولائك لأبو الكذابين... وفيلمك هذا الذي يتحفنا بمعلوماتٍ كنّا نتوق إلى معرفتها كي نعرف من هو سبب البؤس والعبودية في الأرض (المسيح!)... يبثّ سيّدك سمومه خلال عرضه، ثمّ يتحفنا بسطرٍ صغير في قعر الشاشة، أنّ هذه وجهة نظر الكاتب، وما من نصوصِ أو ما يشابه ليدعم صحّة أقواله... كدعاية شركات التبغ، التي تبهرك بمدى عظمة وقوّة من يمتصّ رحيق السجائر، ثم يكتب لنا بخجل أنّ وزارة الصحة المسكينة تحذر من مضار التدخين...
نعم... إنّ هذا المسيح هو سبب دمار هذه الأرض، لأنّه يدعو إلى السلام... لأنّه يدعو إلى هذه التي يسمّونها محبّة... لأنّه طالب بالتسامح والغفران، وكان أوّل من عمل بما يقول...
هذا المسيح الذي تسفّهه، يشفق عليك لأنّك لا تعرف ماذا تفعل...
لا بدّ من أنّ ذكاءك الخارق أتاح لك معرفة الحساب والأرقام، وخطوط الطول والعرض... لكنّه حجب عنك فكرة أنّ جريمة قتل قام بها رجلٌ (المجرم المرتد الذي تسيّره التعاليم السماوية!... والمعروف أنّ كل من يغضب على أخيه في المسيحية يحاسب كمن اقترف جريمة قتل... فكيف يحاسب من يقتل فعلاً؟... ثم انتقل من فعلٍ لا يأمر به إلا الشيطان ليدين المسيح وكنيسته؟! ما هي هذه الخدعة التافهة!...
أعرف أنّ الكنيسة وتعاليمها مزعجة جدّاً لمن يريدون التسيّب من كلّ ضابط، وركب بعضهم في الشوارع كما الحيوانات... ذكوراً مع ذكور، إناثاً مع إناث... لا خلاف... المهم الحرية، وأن نتلاعب كلّ النهار بأعضائنا التناسلية... وأن نعيش لسيدنا الشيطان، باصقين كلّ النهار في وجه المسيح وكلّ من يتبعه...
ما من مشكلة بأن نكون عبيد للشهوات... لكن أن نعيش المحبة والتسامح عبودية ضارة... وإن قال المسيح الآخرة والقيامة جاهره، وقل بماذا تهّددني؟ أبالجحيم؟ أنا أريد أن أكون هناك!... إن قال لك الإنجيل أحبوا بعضكم، فهو مجرّد كذبة كبيرة... إكره كلّ شيء فيعطى لك ويزاد؟!...
إن قالت الكنيسة زواج المثليين محرّم، ما عليك إلا أن تصبح كذلك لتكون إبن عصرك...

إن ثورة الشياطين تغلي في أسافل الأرض، أمّا أقلامها وأفواهها الإعلامية ترقص وتنتشي... نهايتها معروفة وهي الفشل الذريع... لكنّ هدفها هو "أنّ كثيرون يضلّون في الأزمنة الأخيرة، حتى المختارين..."، فلنعمل سوياً على أن تخرج شباكهم من بحرنا فارغة...

الجمعة، أيار ١٢، ٢٠٠٦

غرائب


ليس منذ زمنٍ بعيد، سجّلت السلطة اللبنانية إسمها في كتب التاريخ، كونها أوّل دولةٍ تتظاهر… لكن لم يعرف ضدّ من! ولن يعرف… ورغم ذلك بجّلتها وسائل الإعلام المحلية والعالمية، التي انتشت من رحيق ثورة الأرز… وقالوا أنّهم يبتهجون لأجل وطنٍ كان ضائعاً ووجدوه… مما أدى إلى اكتشافها بالصدفة أنّها أكثرية…

بالأمس القريب نزل الناس إلى الشارع هرباً من فم الفقر الجائع الذي يلتهمهم الواحد تلو الآخر… فهاجمهم العالم… وصبّت وسائل الإعلام غضبها عليهم لأنّهم مسيّسين، وهدفهم خراب الوطن… ولأنّهم يعملون بناءً على توجيهات هلالية إقليمية…
هل تعرفون أجمل ما قالوا؟ المسلمين كانوا أكثرية في المظاهرة… من يسمعهم يعتقد أنّهم مشوا بين المتظاهرين وعدّوهم واحداً واحداً… لا بل واسجوبوهم كل واحد عن دينه وأصله وفصله… ما هو الهدف؟ القول للجنرال عون أنّه لا يمثل إلا نفسه… أم أكبر من ذلك أيضاً وبين السطور: أنتم أقليّة وصوتكم أو رأيكم لا يهمّنا؟!
هذا مجرّد إلهاء للناس عن الحقيقة المرّة… لا بل استظغار لعقولهم…إن كان هناك إنسانٌ جائعٌ لأنّه سرق وهدر حقّه، لا يوجّهه لا دين ولا سياسة ولا انتماء ولا أوامر… بل يرى كلّ شيء بعين ألمه…
وهنا السؤال لكل من تغيّر قرارهم قبل أيامٍ من الموعد، هل أحوالكم مختلفة عن أحوالنا، أم ضرائبكم أقلّ من ضرائبنا؟
نحن لا نريد رأس أحد… بل نريد وطناً… نريد السلام…
لا نريد أن نحكم بدون السنة، كما لا يستطيع السنة أن يحكموا بدون كلّ لبناني كائناً ما كانت طائفته…
نريد أن نصدّقكم وأن نثق بكم! فاعملوا على الأقل ما يفيد بدل المهاترات الإعلامية، ونعيق فرق الطبالين في آذاننا ليل نهار…
نريد دولة لكلّ اللبنانيين… دولة عادلة مع الجميع أكثرية كانو أم أقليّة…

الاثنين، أيار ٠٨، ٢٠٠٦

أمسَكَت بيدي


لطالما سؤلت عن سبب إلتقاطي للقلم بشكلٍ غريب خلال الكتابة، ولم أكن أعرف لذلك جواباً سوى أنّ أمّي هي السبب، طبعاً دون تأفف… لم أجد عيباً في ذلك سوى اشتكاء الناس المستمر من خطّي البشع، الذي يزيد سوءً يوماً بعد يوم. لقد حاولت كثيراً تغيير ذلك، لكنّ محاولاتي باءت كلّها بالفشل…قد يكون ذلك غير مقنع، لكنّ السبب يعود إلى عهود الكتابة الحرفية الأولى، وكان ذلك في عمر السنتين، فقد تعلّمت الكتابة والكلام في آنٍ واحد، وبما أنّ الأولاد في مثل هذا العمر لا يستطيعون شدّ أيديهم لرسم الحروف، أخذت أمّي العزيزة ذلك على عاتقها، إلى أن تسلّمت زمام الأمور. لكنّ يدي احتفظت بنفس الوضعية، ومجرد محاولتي للكتابة بوضعيةٍ أخرى ينتج عنها ألمٌ في أصابعي وفي مفصل يدي.
لا أنكر ذلك، ففي الصفوف الأولى، كنت أجلس بقربها لنحيك سويّاً مواضيع الإنشاء، لدرجة أنّ معلّمة اللغة العربية كانت تندهش من فحوى المواضيع التي أنتجناها، ومن طرق الوصف… حتى أنّها كانت تتلذذ بقرائتها أمام رفاقي، قائلةً دوماً: ” أعرف أنّ هناك من يساعدك على ذلك، لكن بكلّ الأحوال، هذا شيءٌ جميل”.كانت الأيّام تتقدّم بسرعة، فتزايدت واجباتي المدرسية، وضئلت قدرة أمّي على قضاء وقتٍ طويلٍ لتعليمي مع قدوم أخوتي… وهي لم تتركني، بل كانت تقول: أنا بقربك عندما تحتاجني… فرُميت من العش، وحلّقت…
نعم، إنّ الموضع ليد أمّي لا يزال محفوظاً… وهذه ليست علامة ضعف، بل علامة فارقة أحملها معي، فأوقّع كلّ كتاباتي باسمي وبأسم حنان النبّوت، وهي أوّل معلّمةٍ لي…وهي لا تزال حتى اليوم تردّد على مسمع السائلين عمّن ورثت هذا… فتقول ليس من أحد، أعتقد أنّ هذا نتيجةٌ لعادةٍ إتّبعتها دون قصد خلال حملي… فقد كنت أقرأ له القصص، وما أن يغلبني النعاس يركلني برجليه لأنّه يريد معرفة المزيد…

الجمعة، نيسان ٢٨، ٢٠٠٦

جبل الجليد



أفّف فصل الموت الأرض ببرد الحرمان، وقتل الحياة بطلقة الوحدة...
قتلها فولدني...
ثم كبرت وكبرت الى أن رحل... فبقيت شاهداً للفصول الأخرى عن عظمته...
ولكي أسلّم رسالته تركت الجبال ببطئي المعروف... ووصلت الى الوديان، ومنها الى البحار، ثم الى برارٍ أخرى... ورحت أبحث عن المكان الذي أستقرّ فيه...

قالوا لي :
وما هو العنوان، علّنا نستطيع مساعدتك ؟

قلت :
في بلادٍ بعيدةٍ جدّاً... أكون أنا المرآة التي ترى عليها جمالها... وأن يكون فيها من الدفء ما يذيبني... من القوّة ما يكسرني... ومن الحبّ ما يحييني...
بلادٌ أكون أنا الوحيد الذي يروي عطشها... فأحوّل رسالة المصير الأسود إلى أمل...

السبت، نيسان ١٥، ٢٠٠٦

ضمان الهدر


بين مطرقة الموت وسندان الدولة الفاسدة يقف المواطن اللبناني هزيلاً ، منتظراً منّة زعيمٍ أو نائبٍ لينقذه من دفع الفاتورة الاستشفائية الباهظة. من له ظهرٌ تحيد عنه الصاعقة، ومن ليس له ينفق على أبواب المستشفيات. فوزارة الصحة الغائبة إلا عن إغراق البلد بأدوية لا أصل لها ولا فصل، مفلسة، والمخصصات التي كانت تودع في أيدي المعنيين جفّت أو جفّفت… والضمان الصحي قاطعته المستشفيات الخاصة والدولة معاً…
بالتالي حُرم ما يزيد عن تسعين في المئة من الشعب من حق الإستشفاء، بينما حلّل لهم كلّ أنواع الأمراض النفسية والعطب الجسدي…

لن نتكلّم ههنا عن وزارة الصحة التي وفق المنطق، لا يحقّ لها التدخل في دعم مواطنين لتأمين استشفائهم، لكن عن الضمان الصحي الإجتماعي الذي هو المؤسسة المعنية الوحيدة…

يكلّمنا الجميع عن هدرٍ ومزاريب، ولكن لا يقول لنا أحدٌ ما هي الحلول. وهل سيبقى الناس يستعطون كي لا يموتوا …

نريد أن نعرف أين تذهب الضرائب التي ندفع… ونريد أن نعرف من الذي يدفع ومن الذي يمتنع؟… لماذا على الناس أن تدفع اشتراكاً للضمان، بينما يخصم من معاشاتهم ما لا يعرفون؟… لماذا يحرم النواب والوزراء والرؤساء من دفع الضرائب، طبعاً هم ومؤسساتهم، بينما علينا نحن أن ندفع؟ … أين هي الضرائب التصاعدية على أموال الأغنياء؟… أم أنّ الضريبة هي فقط على الفقير المعدم؟…

عليكم أن تعرفوا أنّ هذا الهدر ليس فقط في دوائر الضمان التي تتحمّل جزءً من الكارثة…

تبدأ القصة في عقل اللبناني، الذي يقبل وبكل بساطة أن يدخل المستشفى لإجراء فحوصات… لمجرد إجراء فحوصات… وطبعاً على حساب الضمان… تكتمل بالطبيب الذي يجري فحوصات بدون لزوم، والمستشفيات التي تسجل فواتيرها طلوعاً ونزولاً، وتنتهي بالإدارة الفاسدة والدولة المتغاضية…

ولن يكون هناك من حلٍّ حقيقي إلا بتغيير عقلية الناس أولاً… فما يحرقونه من خيرات الضمان السائبة ليس إلا مالهم وثروتهم القومية… وما يعتبره الأطباء والمستشفيات أرباحاً لجيوبهم ليس إلا خسارة من الناتج الوطني وزيادة في فوائد الدين، وسيدفعونه من جيوبهم ككلّ مواطن… والقييمين على الضمان لن تضمنهم أموالهم إن افلس الوطن…

لكن هل نطلب من الناس وحدهم التغيير، بينما الحلّ الأساسي الذي لا مهرب منه هو سياسة واضحة ودولة حازمة هدفها الإصلاح، لا واحدةً تعتمد الترقيع والحلول الوسطية كي تضمن الهدر…

الثلاثاء، نيسان ٠٤، ٢٠٠٦

كفرنا


على مهلكم، ليس هناك ما يدعو للعجلة... فالاقتصاد بأفضل حالاته، الأمن مستتب، والناس في حالة رخاءٍ واسترخاء...
نشكر الله حقاً أنّه لم يضع تحت إمرتكم هطول الأمطار وشروق الشمس وغيابها، وأنّه حتى اليوم منع فرض الضرائب على الهواء الذي نتنفسه...
أعرف أنّها ليست مشكلتكم، فقد ولدتم ثانويين، صنعكم الوالي المعظّم، وسيّركم على هواه... وأنتم لم تفعلوا شيئاً غير التذلل له، لماذا؟ كي تبقوا ثانويين... طبعاً هذا أفضل من الدرجة الثالثة والرابعة...
استفقتم في الصباح، فأخبروكم أنّ الذي كان يكتب لكم مقالاتكم رحل... فحلّ عليكم الضياع بدلاً من أن يغمركم فيغمرنا الفرح...
نعم... إنّها فترة إنتقالية صعبة... وتعلّم القراءة والكتابة صعبٌ في هذه الأوقات...
لكن ماذا أقول لمن ينتظر مكالمة هاتفهية قبل أن يأخذ قراراً... طبعاً، ففي مصر والسعودية وسوريا، والولايات المتحدة وفرنسا، يوجد من يهمّه أمر لبنان أكثر منكم!...

تطلقون المواعظ والحكم وتعملون عكسها... تحدّدون مواعيد الخلاص، وهي لم تصدق يوماً لأنّها على الطريقة اللبنانية...
مختلفون في الشكل، لكنّكم متفقون في المضمون... فالكل مع الحرية والسيادة والإستقلال... الكلّ مقاومة... الكلّ مع كشف الحقيقة... الكلّ مع رحيل فخامة الرئيس... الكلّ مع الإصلاح... الكلّ مع عدم التدخل الأجنبي...
ونحن نتنعّم... فالحرية سائبة تصل حدّ السباب... السيادة تنتظر أجوبة أقمار التجسّس... والإستقلال ليس ناجزاً... والمقاومة تقاتل مؤامرات تحاك في الأفق، بينما العدو موجودٌ فينا... والرئيس باقٍ لأنّ البديل الجديد مخيف... ولنرى الإصلاح ننتظر ولادة الحشائش... ماذا بعد؟! وقف التدخل الأجنبي؟... هذه آخر النكات...

كفى... لقد كفرنا بهذه المهزلة... بهذا الاستهتار... بهذا الاحتقار... بهذه الأنانيّة والآنيّة...

فهذا الربيع الذي قرعنا له الطبول لم تحبل أزهاره، لا بل سقطت في مهدها... لماذا؟! لأنّكم خفتم من الآتي، ففضلتم قوانين الماضي المظلم والظالم...

كفى... نحن لسنا صغاركم... ولا نحن مشاهدين أو مشجعّين لمسرحياتٍ، هي عيبٌ على حضارتنا وثقافتنا...

كفى... فأرزاقنا بارت بقسمتكم وأقسامكم ...

كفى... فنحن لسنا لا أبيض ولا أسود ، لا أحمر ولا أخضر، ولا أصفر ولا أزرق... بل علمٌ واحد لكلّ لبنان...

كفى... كفى إهانات... كفانا حقداً على بعضنا البعض بسبب شعاراتكم المتناقضة، بينما أنتم جالسون سويّاً لتشربوا نخب موت الوطن

الثلاثاء، آذار ٢٨، ٢٠٠٦

أرزة لبنان


كما في كلّ عام وبمناسبة عيد الربيع، كنت أزور الأرزة الأم في الأعالي، طالباً الحنان والأمل والجمال، مهدياً لها ما أحمل في قلبي من محبّةٍ وإجلال…لكن يبدو أنّ هذا العام ليس عاديّاً… فما يحدث في الأسفل، يلقي بثقل ظلاله على السماء…
لم أجدها يوماً بمثل هذه الحالة… فقد كانت متجهّمةً حانقة، وبالكاد ردّت السلام قائلة: أيّ سلامٍ هذا وأيّ وطنٍ هذا الذي تنشدون… أيّ عيدٍ هذا الذي جئت لتعيّدني به؟…
قلت: لماذا تقولين ذلك؟
قالت: لأنّ الأرض التي لي صارت مجرّد مساحات ومزارع لقطّاع الطرق… لأنّ الشعب الذي أحببت صار أعداداً، نصف مليون… مليون… ملايين… مئات على اليمين… مئات على اليسار… ولا احد في الوسط… لكنّه ليس إلا مجرد أعداد وأكثريات وأقليّات… منهم من يأخذ أوامره من الجبل، منهم من الروابي، منهم من الضواحي، من الشمال والجنوب والشرق والغرب… لكنّي لا أراهم إلا ساقطين في البحر…
حتى أنّكم فقدتم صفتكم الإنسانية، فصرتم مجرّد يومين في السنة… ثمانية وأربعة عشر… يا للإهانة يا شعب لبنان العظيم… يا للإهانة يا مثقفين… يا للإهانة!
ماذا تريدني أن أقول؟ بماذا تريدني أن أصفكم؟ أقل ما يقال فيكم خونة… نعم خونة لبنان.
مبروكٌ عليكم أرباحكم الآنية… إفرحوا بالشعارات الزائلة التي تلبسونها ألوانكم حسب المصالح… تهلّلوا بهذه القيادات الفذة والقادة العظماء… هنيئاً…
لماذا العذاب ووجع القلب؟. ” دق المي مي”. “طائفيين يعني طائفيين”. شعب مخدّر، والمصيبة أنّه يخشى من أن يستفيق لئلا يغضب عليه القرآن أو الإنجيل… لئلا يغضب عليه المعلم… لئلا يشنقه البيك… لئلا يحرمه بطريرك أو مفتي من نعم السماء… لئلا تضيع عليه مئات الدولارات التي إن ربحها تُخسره الملايين…
موتوا واحداً واحداً… أرجوكم ليس بالمئات وخصوصاً ليس بالألوف… لئلا تختل موازين قيادييكم، فتصمت إذاعات وتجود أُخَر… عيب… إنهم يوزنوكم بالكيلو… نعم، نعم، لهذه الدرجة أنتم مهمّين…
ماذا تريدني أن أقول بعد؟دعني…
إنّي لا أبرح أغرس جذوري أكثر فأكثر في الأرض، لأجمع شتاتكم الغبي…
آه… لم أشتق بعد للبحر الذي كان يغمرنا منذ ملايين السنين… لكن إن كان لا بدّ منه، فليأت ويغمر كلّ شيء، عندها تعلمون يا أيّها المتقاتلين على كرسيّ خشبي وأوراق نقدية بالية، أنّكم متساوون عندما يلفّكم وشاح الموت… وتذكروا، التاريخ يذكر الحسن والقبيح، أما السماء فلا يكتب فيها إلا الحميد من الأفعال، فاختاروا…

الأحد، آذار ٢٦، ٢٠٠٦

مارد من بلادي



ماردٌ نعم... صفة أعطيت لأغنياءَ وفنانين وكتاب... وحرمت دون حق طبقة العمال والفقراء المقهورين... كأنّ فخر المواطنية هي في تملك المال أو أن تكون طبيباً ومهندساً...
لطالما نسي اللبنانيون أعمدتهم، واهتموا بالتطبيل والتزمير لمن يستحق ولمن لا يستحق...
كاملة... التي لن أنكر علاقتي الخاصة بها كونها تعيش قرب منزلي... والتي بدأت قصتي معها عندما كنت في الثالثة من العمر... في اليوم الذي استفاقت فيه القرية على مجزرةٍ إجرامية، نفذها من أخذوا من الأحزاب مطيّةً لتنفيذ مآرب شخصية، وكانت واحدة من ضحاياها إبنتها الوحيدة، والتي قتلت لأنها كانت تزور بيروت في بدايات الحرب (إذ كان لها أخٌ هناك)... ولأن من كان يزور العاصمة يعدّ عميلاً للكتائب...
أم الياس، كما يعرفها الجميع في القرية صغاراً وكباراً، حملت زوجها الكسيح وابنها، وهربت إلى بيروت التي كانت في عز الحرب البغيضة، تاركةً بيتها والأراضي التي تحيط به... الذي تحوّل إلى مركزٍ حزبي في غيابها القسري... لكن أشجار اللوز والزيتون لم تنتج، لأن المحتلين الذين تحلو في عيونهم الخضار والفاكهة، لا يحرّكون أنملاً للعمل... ولا يهمهم إلا الرخيص الذي لا يكلف جهداً...
في غياب وسائل الاتصال (التي كانت حتى محظورة لو توفرت للتعامل مع العملاء الخونة)، ضاعت العائلة وضاعت أخبارها...
انتهت الحرب البغيضة، وسلّم الحزبيون سلاحهم، والبيوت التي احتلوها، لكنّهم احتفظوا بأحقادهم الغبية التي لا أصل لها ولا فصل... وبما أنّ العائلة المسكينة كانت تعيش في زريبةٍ من زرائب بيروت، أجبروا على تسليمها لأصحابها، اضطرت للعودة إلى القرية مهما كان الثمن... بالأحرى لم يعد لهم من ثمنٍ ليدفعوه، ففي القرية خسروا البنت، وفي بيروت خسروا الإبن، ولم يبقَ إلا واحداً، فضلّ الموت والإهانة على أن ينام مع عائلته على الطريق، بينما له في القرية منزلٌ يتّسع لخمس عوائل...
كان مشهد ابنتها الوحيدة مرميّةً أمام غرفتها وهي مضرجعة بالدماء، هو أوّل المشاهد العالقة في ذهني عن وحشية الناس... وبالطبع لم أكن أذكر صورة الأم، لأنها هربت فوراً بعد الحادثة...
عندما عادوا، كان الحظر الإجتماعي لا يزال سائداً، رغم أن الحرب انتهت، لكن ليس للرابحين... لكن كان في داخلي حسٌّ بالشفقة والعار... دونما إنكارٍ لما لأمّي من دورٍ في ذلك... فكانت تحمّلني إليهم بعض اللوازم مع وصيّة "إحرص ألا يراك أحد"... ففي نظر الناس الشفقة على هؤلاء الأوباش جريمة، وما نالوه ليس سوى حفنةٍ من العقاب الذي يستحقون...
لكنّ الدم لا يمكن أن يصير ماءً، فمن زياراتٍ خاطفة، صرت أقضي معهم بعض الوقت، فتروي لي العجوز أوجاعها الجسدية التي تفوح منها رائحة الاكتئاب...
وكأنه ما من نهايةٍ للأوجاع، مات رجلها بعد صراعٍ عنيفٍ مع المرض، وبالكاد توفّر بعض الشباب لحمل نعشه إلى القبر...
اكتملت... فلم يعد هناك إلا أن تبقى وحيدةً في بيتها الصغير المحاط بالبساتين... والإبن مشغولٌ بعائلته الكبيرة العدد، ليعيلها بإمكانياتٍ متواضعة...
أم الياس لم تنسى أرضها، ولا أرضها فعلت... هذه المرأة الهزيلة، حملت في كلّ يومٍ معولها الصغير وسكّينها، وعملت من الصباح حتى المساء... لا يمكن أن تمرّ من أمام بستانها، إلا وتراها متربّعةً على الأرض، تنقب وتنقي وتشذب... جسدها دوماً ملاصقٌ للتراب... كانت تعمل دون توقف...
قطعة أرضها كانت حقّاً متعة للنظر... وأغصان أشجارها لا تأبى في كلّ عام إلا أن تكون منحنية من الثمار...
ولم يوقفها شيءٌ... بل ظلّت تعمل وتنتج رغم انهيار جسدها وتحذيراتي...
ما قالته لي قبل مماتها بأيّام: أتعرف ماذا أحسست عندما كنّا في بيروت؟... من قتل ابنتي، قتلني مرّة... وجبني قتلني مرتين، إذ اضطررت أن أرحل عن الأرض التي ولدت وعملت فيها... إسمعني يا بني، لا تبع أرضك مهما أعطوك من ثمن... نحن نجمّلها بعرق جبيننا، لكي تحضننا بحنان ساعة موتنا...

كي لا تكون أم الياس مجرّد امرأة مرّت في سجلات القرية، كتبت كلّ هذا... وأنا أعرف أنّها ماردة من بلادي، وبطلة مقاومة بامتياز... نعم بطلة رغم أنّها لم تحمل السلاح وتقتل، وماردة عظيمة رغم أنّها لم تضحّي بمليون لتربح عشرات الملايين... بل ضحّت بعائلتها لتربح فقط جنّة السماء...

السبت، آذار ١٨، ٢٠٠٦

من أنتِ؟


أكونٌ حمل في عمق خفاياه كياني، أم أرضٌ احتضنت في ربوعها أيّامي؟
**
أأنت الشمسُ التي كبرت على أشعّتها براعمي، أم النبع الذي إرتوت بمياهه جذوري؟
**
من أنتِ؟
**
أنجمةٌ هَدَت بنورها حياتي، أم شمعةٌ أضاءت بذوبانها طرقاتي؟
**
أأنتِ القمر الذي إلتأمت بسهره عليّ جراحي، أم نسمةٌ هدّأت بحنانها آلامي؟
**
من أنتِ؟
**
أإنسانٌ وشّح بالقوّة إيماني، أم مجرد قلبٍ قتل بالعاطفة أحزاني؟
**
من أنتِ؟
**
ألستِ أوّلُ كلمةٍ حاولت لفظها فانفكّت عقدة لساني؟
أمّي ....
**

حديث النعمة


كان لي في أيّام طفولتي صديقٌ أقضي معه معظم أوقاتي. في الصباح كنّا نسير معاً الى المدرسة عبر الكروم، وكانت رئتينا تمتلئ من النسمات الباردة ومن رائحة الأزهار. ثمّ نصل ونجلس قرب بعض حتى تنتهي ساعات الدراسة، ونعود في الطريق نفسها الى البيت.
كانت لنا ذكرياتٍ لا تنتسَ، وكان معظمها على شجرة الصفصاف التي قال العجائز في قريتي أنّها كانت قبل أيّامهم بكثير. هذه الشجرة التي كنّا نعرّج عليها في طريق عودتنا، لم يعد فيها مكان لأيّ شيءٍ آخر ، فقد حفرنا عليها بسكينٍ، سرقته من المطبخ دون علم أمّي، أسماء رفاقنا ورفيقاتنا في الصف، إضافةً الى جداول الضرب وحروف الأبجديّة الفينيقيّة التي نسيتها الآن، كما أسماء أساتذتنا الذين كانوا يمرّون في كلّ سنةٍ، ويتغيّرون لأنّ المدير الطمّاع كان يأكل حقوقهم، وعندما يطالبون بها ينادي على أساتذةٍ آخرين يقبلون بمعاشٍ أقل.ّ
لا أريد أن أشرد في حديثي ههنا عن الأساتذة، كي لا أظهر بمظهر من يحبّهم، لأنّي لم أعجب إلّا بالبعض منهم... أمّا الآخرون فكانوا لي مثل الآلات التي تفرغ محتواها على مدى ستّون دقيقة، ولا تعبّئ الطاقة إلّا في آخر الشهر.

كان الناس في القرية يقولون أنّنا سنكون طول حياتنا متشابهين... لكن دارت عجلة الأيّام ومعها كنّا نكبر بسرعة، فبلغنا المرحلة الثانويّة وتخرّجنا من المدرسة بنفس العلامات تقريباً، فإخترت أنا الانتقال الى العاصمة بيروت كي أتعلّم في الجامعة، أمّا هو فإختار السفر ليتعلّم رغم أنّ حال أهله كانت كحال أهلي، لا تحتمل بالكاد تكاليف التسجيل في الجامعة اللبنانية. فباع أبوه الأرض التي شقى أجداده ليشتروها ويحافظوا عليها، كي يؤمّن زاد إبنه الذي سيترك أرض الوطن.

سافر الإبن، ومنذ سفره إنقطعت أخباره. فهو لم يتصّل بهاتف القرية الوحيد ليقول أنّه وصل، ولم يكتب أيّ رسالة لا لي ولا لأهله، فماتت أمّه من همّ. فالبلد الذي ذهب إليه غرق في حربٍ أهلية ضروص، وأعاثت فيه العصابات فساداً. فأصيبت تلك العائلة بنكستين، عندما فقدت الإبن أوّلاً والأمّ ثانياً .

مرّت خمس سنوات أنهيت خلالها دراستي الجامعيّة، وتعيّنت أستاذاً في ثانويّة القرية. أمّا رفيق الصبى لم يعد ما يربطني به إلّا ذكرياتٍ قديمة، كنت أراها في كلّ يوم وأنا على طريق المدرسة. الى أن في يوم من الأيّام، وبينما كنت أقرأ الجريدة، فوجئت على صفحتها الأولى المخصّصة دوماً لمشاهير البلد، والحارمة الأقلام الفتيّة من الكتابة عليها، بصورة صديقي ومكتوبٌ فوقها : المليونير اللبناني الكبير يعود الى أرض الوطن بعد غيابٍ طويل. فطنّت كلمة طويل في أذني، أنا من يعلم أنّه لم يغب أكثر من خمس سنوات، فمن أين حصل على كلّ هذا المال ؟
دارت في رأسي ملايين من الأفكار السوداء التي تعرفونها جميعكم، لكنّي بدّدتها لأنّي تذكّرت أنّه هناك رجلاً شاحباً ذاب من الهمّ على إبنه الذي إختفى. فركضت لأزفّ اليه خبر العودة المجيد، دون أن آتي على ذكر حالته الماديّة .

مرّت ثلاثة أيّام على وصول الإبن الضال ولم يأتي بعد الى القرية. فخاف الوالد وسألني الذهاب الى المدينة لأبحث عنه. فنزلت عند رغبته.
في اليوم التالي لم أجد عناءً بالبحث عنه، لأنّ البيك صار معروفاً، وصارت حوله حاشية كبيرة من المتزلّمين. لكنّي للأسف لم أستطع الدخول اليه مباشرةً، بل إنتظرت أمام الباب فترةً، كانت طالت لو لم أقل إسمي للحارس الذي دخل ليطلب الإذن، فسمح لي بالدخول.
فوجئت بقصره الذي كانت أروقته كأروقة منازل القصص التي كنّا نقرأها سويّاً. وصلت الى المكتب حيث كان جالساً على كرسيّه الهزّاز، فقام قائلاً بلهجةٍ متعالية : أهلاً برفيق الصبى. فإنقضضت عليه معانقاً لكثرة الشوق ، شوقٌ الى الرفيق الذي غاب دون حتى أن يرسل قصاصة ورق واحدة، لكنّه لم يظهر أيّاً من هذه العواطف، فإبتعدت عن جسده البارد لأقول له : أين ذهبت كلّ هذه السنين ، ما الذي حصل معك ، لماذا تركتنا ؟.... وكان الجواب أنّه ترك العلم ليعمل. فسألته عن ماهيّة هذه الأعمال التي يمكن أن تجعل من شخصٍ فقير مليونيراً في خمس سنوات، لكنّه بقي صامتاً ومن صمته عرفت جوابه... هو من كان يقال عنه أنّه يشبهني، لكنّهم لم يعرفوا الفارق الوحيد بيني وبينه، وهو حبّه وولعه بالمال، ونقمته على الحياة التي يعيشها... فأوقفت حديثي معه لأقول له أنّ والده بإنتظاره... فضحك ضحكة غريبة، وقال أنّه سيذهب الى القرية في اليوم التالي لأنّ له فيها بعض الأعمال، وسيعرّج عليه في طريقه فإستودعته وذهبت الى القرية .

وصلت الى بيت والد رفيق الصبى، فوجدته على أحرّ من الجمر، وزففت اليه الخبر السار فطار من الفرحة... وراح يخبر كلّ من يجده على الطريق .

في اليوم التالي أحسست بحركةٍ غريبة في القرية، لأنّ الجميع، شباباً وصباياً، رجالاً ونساءً كانوا يتحضّرون للقاء البيك الذي وصل أخيراً، فعلت أصوات الشباب لتبجّله علّهم ينالوا عنده حظوة. والصبايا اللواتي كنّ بأبهى حللهنّ ، نحن من كنّا يوماً نتمنّى لو يتخلّين عن كبريائهنّ وينظرن الينا، رحن يرمقنه بنظراتٍ غريبة لم أر مثلها في حياتي. فمرّ إبن الخمس سنوات أمام الجميع رامقاً إيّاهم بنظرةٍ ساخرة... فسلّم عليه دون أن يسأل حتى عن أمّه التي ماتت في همّه، فحزن أبوه الهزيل وقال له : أهذا هو الإبن الذي ربّيته وتعبت لأجله ، الإبن الذي بعت لأجله أرض أجدادي، فلم يبقَ منها إلّا قطعةٌ صغيرة قضى عليها الجفاف، لأنّي أرسلت إبني الى الخارج كي أعلّمه، فلم أعلّمه إلّا التحجّر والتكبّر... فقال الإبن بلهجةٍ ساخرة : هاك ثمن الأرض مضاعفاً مرّتين مضافةٌ اليه أرباح السنين التي توقّفت فيها عن العمل. فردّ الأب بحرقةٍ شديدة : هل صار كلّ شيءٍ لديك يشترى بالمال... وغرق في دموعه، فبكت حجارة القرية ، لأنّ حديث النعمة نسي الأرض التي أنجبته...

خرج رفيق الصبى من منزل والده، وراح يعرض على الناس بيع أراضيهم، مقدّماً لهم أسعاراً خياليّة فباعوه الواحد تلو الآخر... بإستثنائي وإستثناء والده الذي حرمه من ميراث القطعة الصغيرة التي بقيت له، طالباً في وصيّته أن يكون قبره فيها... ومن لم يوافق على بيعه في القرية لحقه الى المدينة ليبيعها له ...

مرّت أيّامٌ قليلة فدخلت الجرّافات أرض القرية، التي تغيّرت معالمها كافّةً بعد أن هجرها أهلها... تغيّرت بعد أن جرفها البيك بأمواله، فلم تسلم منه حتى الشجرة التي كان لنا عليها كل ذكريات الطفولة... تغيّرت بعدما سكنها البناؤون، الذين راحوا يبنون مشروعاً ضخماً الى أن إكتمل بعد سنة... فصارت قريتي الصغيرة تعجّ بالأغنياء الوطنيين والأجانب، الذين أتوا سائحين ليروا جمال ربوع لبنان...
بعد سنتين من عودة الإبن الى الوطن، مات الأب الذي لم يرَ في حياته إلّا الحزن والشقاء... فأخذته مع من أتى من أهل القرية، ودفنّاه في المكان الذي طلبه في وصيّته. ثم عدنا الى الساحة حيث بنى البيك قصره، وسلّمناه رسالة من والده كتبها له قبل مماته، ولم يكن أحدٌ غيري يعرف ما فيها، فقرأ ما عليها بصوتٍ مرتفع : عندما تعود الى التراب، ستعرف قيمة الإنسان الذي كان يجب أن تكونه خلال حياتك، لكن للأسف عندها لا ينفع الندم... ولم يعرها أهميّة لأنّه برأيي يعتقد أنّ الأغنياء لا تطالهم يد الموت...

الأربعاء، آذار ٠٨، ٢٠٠٦

طرق الشمس




تلالٌ وهضاب من كلّ حدبٍ وصوب، ضهر نصّار إسمٌ حاولت جاهداً معرفة أصله وفصله، ولكن دون نتيجة… عقاريّاً تنهشه مجموعةٌ لا يستهان بها من القرى العكّارية، لكنه يقف فوق كلّ منها كماردٍ متسلّط متكبرّ…
بوصفٍ بسيط، هو أوّل التشكيلات الجبلية في عكاّر من جهة البحر، وهي تتمتع بروعةٍ فريدة. فمن يتخيّل معي الآن يظنّ أنّ أرض لبنان الحبيب الخارجة باندفاع من البحر منذ ملايين السنين، خارت قواها فتوقفت عند تلاله، ثم انحدرت مستجمعةً قواها لتنهض من جديد بعنفوانٍ لتشكّل جبال عكّار الشامخة…
ويمكن القول بأنّ ما تراه من على قمم هضابه أكبر الوديان في لبنان، إن لم نعتبر سهل البقاع وادياً… فقرى جبرايل، إيلات، ضهر الليسينة، رحبة والحواش نقاطٌ في بحره… في أعمق نقاطه يسيل نهر الحواش الآتي من نبع الحلزون في جبرايل، ليلتقي في الأفق مع مياه الجرود ليشكل نهر عرقة…
هناك تجلس فتخال نفسك على دائرةٍ تكاد لا تحصي أطرافها…
هناك لا تسمع إلا صوت النسمات… والعصافير… وصرخة المياه التي تجتاح النهر…
هناك تفتح أذنيك إلى أقصى الدرجات لتسمع ما لا تسمعه كلّ الوقت… الصمت…
هناك تمدّ ذراعيك فتلامس إحداها المتوسّط والأخرى نصاعة الثلوج…
هناك تفتح فاك فلا تخرج منك إلا أناشيد التعظيم لإله الأرض والسماوات…
هناك تنظر من حولك فلا ترى حدوداً لأراضٍ، والمؤكّد أنّك لا ترى شبر الأرض الذي تتقاتل لأجله مع أخيك…
هناك تجدني منتظراً شروق الشمس، ومعايناً غروبها… راسماً بعيناي طرقها في السماء… غير متعجّبٍ من اعتقاد القدماء بأنّ “الشمس تدور حول الأرض”…
هناك أجلس وأنا أعدّ الأيام بانتظار المجد الآتي قريباً…

الجمعة، شباط ٢٤، ٢٠٠٦

حلم… هل يتحقّق؟


لا نفتقر كشعبٍ لبناني إلى أيّ شيء… ففينا فلاسفة العصور، وحكماء السياسة، ودواهي المصالح… لكن ما نفتقر له هو إيماننا بأنّنا أحرار ومستقلين… إيماننا بوطنٍ واحدٍ أحد لا بديل له…
نعم، فلاسفتنا الأحرار يقيّدهم خوف الموت، فيدورون ويدورون في حلقاتٍ مفرغة لا نهاية لها… وحكمائنا يتلهون عن الهدف الحقيقي بإسقاط بعضهم البعض… أمّا الدواهي فيآمرون بينهم وبين نفسهم على مصلحة آنيّة فانية…
هل طرح زعماؤنا يوماً على نفسهم سؤالاً: لماذا أنا مسؤول؟ عن ماذا أنا مسؤول؟ ما هي وظيفتي؟…
هل يؤمنون بأنّ “الرئاسة تكليف وليست تشريف”… وبأنّهم ليسوا ملوك طوائف…
متى سيأتي اليوم الذي يكون فيه الرئيس ميشال عون زعيماً بلا منازع للدروز والسنة؟… متى ستكون أصداء خطابات السيد حسن نصرالله أقوى عند الموارنة والأرثودوكس؟… متى سيكون الأستاذ وليد جنبلاط زعيماً شيعيّاً؟… متى يصبح الشيخ سعد الحريري قائد الضاحية الجنوبية؟… هل سيأتي يومٌ يصبح فيه الأستاذ غسان تويني فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية لأنّ فيه كلّ صفات الرئيس؟… (مع الاعتذار مِن كلّ مَن لم يُذكر إسمه)
ماذا ينقص كلّاً منهم من القوة والذكاء، والخبرة والحنكة التي يقلّ نظيرها في قادة الدول الأخرى؟…
متى ستصبح خدمات القائد لكلّ الشعب وليس فقط لتياره وحزبه وطائفته؟…

أنا أؤمن وأعرف أنّ كلاً من قادتنا يؤمنون بلبنان، ويحبّونه ، ومستعدون لتقديم الغالي والنفيس من أجله… لكن، كلّ على طريقته، وحسب وجهة نظره التي هي بطبيعة الحال مناقضة لوجهات النظر الأخرى، والتي ستبقى كذلك إن ظلّ كلّ واحد يفكر بمصالح من ورائه، وليس مصالح كلّ الشعب الذي يقف أمامه…
ألا تحسّوا بأن هذه القسمة تستنزف مقدرات الوطن… وأمننا القومي الذي وكّلتم به حضراتكم لم يعد موجوداً…
ألا تعرفون أنّه شئتم أم أبيتم، شاء العرب والغرب أم أبوا، نحن شعبٌ لبناني واحد، وسنبقى…

أرجوكم التوقف عن التراشق بالاتهامات والمزايدات… أرجوكم تجميع قواكم للنهوض بالوطن إلى العزّ والسلام، بدل صرف جهودكم وجهود مستشاريكم لتفنيد أخطاء بعضكم…

نعم أرجوكم وأدعوكم لحوارٍ صامت على أعلى قمّةٍ في لبنان… فهناك يا قادتنا الأعزاء عندما تنظرون إلى أسفل، لن تستطيعوا التمييز بين القرى الشيعية والسنيّة والمسيحيّة… بل الكلّ الكلّ لبنان…
من فوق ستعرفون قيمة الأرض التي تفرّط فيها قسمتكم…
من فوق يا قادتنا الأعزاء تسمعون صوت المآذن وأجراس الكنائس وهي تأتي من كلّ صوب، فلا تعرفوا إن كان جورج قد قال اللّه أكبر أو علي هو الذي تضرّع للمسيح… بل الكلّ الكلّ صلاة…
نعم… تحاوروا بالصمت… ولا تنظروا في عيون بعضكم بل أنظروا إلينا وإلى مستقبلنا…
نعم… تحاوروا بالصمت… وعودوا إلينا واحداً، حاملين بأيديكم حجر الإستقلال الواحد…

الأحد، شباط ١٢، ٢٠٠٦

رسالة من ابن مزارع


لطالما سرت بين الربى والوديان ناظراً الى الأرض أمّاً معطاءً، نعتني بها فتغدق علينا من خيرات السماء… وحفظت عيناي صور الخضار والنضارة والمواسم… أمّا اليوم فأرضنا جرداء… الفلاحون القدامى طواهم التراب وأما الفلاحين الجدد فقد هجروا حقولهم… وصارت بلاد اللبان أطلالاً لأثلامٍ حفرها ثورٌ وزند مزارع…
لماذا؟…
نحن ترعرعنا على محبة الأرض… لكنّهم حاربونا منذ البدء…
قالوا أنّ اقتصادنا هش… متعلق بالسياحة فالأمن… لكن الزراعة ثابتة فحاربوها… حاربوها حتى قضوا عليها…
علّتهم الوحيدة كانت أنّه ليس هناك من تصريف للإنتاج وهذه مشكلتهم وليست مشكلتنا…
فهم الدولة وليس نحن…هل تشكي لنا الدولة همومها أم نحن الذين يجب أن نشكي همّنا؟…
لماذا هم مسؤولون؟ اللوجاهة وتخويف الناس؟…
إتهموا العلاقات المميزة مع السوريين… فما يكاد إنتاجنا أن يظهر حتى تسبقه إلى أسواقنا منتجات الغير، سوريين كانوا أم أردنيين أم مصريين…
حتى سوقنا ليست لنا…أيعقل؟ نحن من يرزخ اقتصادنا تحت الديون؟ نحن من نتدين من الناس ومن البنوك كي لا تسقط أعمالنا…
لا نريد دعماً منكم، بل نريد تسويق إنتاجنا ومساعدتنا على بيعه… نعم تصريفه وليس عرض أسعار مغرية لشراء أرضنا من قبل الشركات والأسماء المشبوهة…
اليوم، والدولة الفتية… أو التي تقول أنّها كذلك… والتي يتبجّح سياسيوها بأن الوقت لم يحن بعد لدراسة الأوضاع الإقتصادية… سؤال… لماذا لم يحن بعد؟
وإن لم يحن بعد، فمن هو صاحب هذا العرض لمزارعي الدواجن الذين خرّوا تحت وطأة هذا المرض (انفلونزا الطيور) الذي لم يدخل إلى بلادنا حتى اليوم (حمداً للّه) إلا عبر وسائل الإعلام التي قامت بنشره دون توعية الناس، فسقطت أسعاره إلى أدنى المستويات ( ما يفقد المزارع ما يزيد عن خمسمائة ليرة في الكيلو الوحد من سعر الكلفة) أضف إلى ذلك إختناق الأسواق بعد إقفال المعابر الحدودية ومحدودية التصدير إلى العراق…
عرض الحكومة أيها السادة ( لا نعرف إن كان هذا عرض الحكومة أم عرض شركاتٍ خاصة كبيرة لتربية الدواجن، عينها منذ البدء على الكار، وتريد السيطرة على قوة السوق باستكرادٍ واحتكار) هو، ولأنّه ليس لدينا سوق التصريف لأننا ننتج كميات كبيرة، إحراق ما يعادل نصف عدد الدواجن عند أصحاب المزارع مقابل دولارين ثمن كل دجاجة…
طبعاً هذا عرضٌ مغرٍ للمزارعين الذين يخسرون يومياً من رأسمالهم…
هل هذا هو حلّك أيتها الدولة؟…
من السبب؟ إسرائيل؟ سوريا؟ العرب؟ الأجانب؟…
هل تنتظرين مبادرة من الخارج لتنقذينا؟
هل أنت فعلاً دولة تريد أن تثبت نفسها للبنك الدولي وأنت مديونة بالقضاء على إنتاجك؟…
إعلمي أنّنا نعتبر عملنا اليومي ناتجاً قوميّاً لبنانيّا بغض النظر عن ربحنا وخسارتنا…
واعلمي أننا لن نقبل بتلف باب رزقنا الذي ورثناه عن أجدادنا مقابل المال، حتى ولو اضطررنا أن نطعم طيورنا من عشب الحقول…

طائر السنونو والبرد


قال السنونو:
لماذا تلاحقني وكأنّي طريدتك الوحيدة ؟
ألم تجد غيري ضعيفاً لتستقوي عليه ؟
أليس لك أحد غيري لتدخل أحلامه في أيّام الصيف ؟
ألا يوجد في فكرك إلاّ أنا كي تثير حزنه ؟
لماذا لا ترحل عنّي ؟
الا يكفيك طردي من منزلي ومن أرضي ؟
ألا يكفيك إجباري على العيش في مكان لست لا منه ولا له ؟
لماذا تبعتني إلى هذه الأرض الغريبة ؟
هل لتقول أنّك نادم أم لتعذّبني وتطردني من جديد ؟
فقال البرد :
أنا من قتل بلادك بقوّته ،
أنا من يعرف أنّها اليوم عادت إلى الحياة لأنّي تركتها .
فقال السنّونو :
ولماذا تقتل بلادي ثمّ تتركها فتقوم من بين الأموات ؟
قال البرد :
إنّي أجرّب سكّان بلادك ..
قال السنّونو :
وكيف ذلك ؟
قال البرد :
إنّ من يخافني من أمثالك يرحل فوراً ما إن يراني ،
أمّا الأقوياء الذين لا يهابوني يقفون في وجهي طيلة فصل الشتاء حتّى أكلّ من مصارعتهم ،
إنّ كلّ هدفي هو التميّيز بين الجديرين باسم مواطن وبين من هم غير كذلك ..
فقال السنّونو :
إن كنت أنا من ولدت في هذه الأرض وبيتي في هذه الأرض لست مواطناً فمن يكون كذلك ..
قال البرد :
تلك الأرزة على سفح الجبل ، تلك الّتي لم يستطع أحد أن يهزّها من مكانها ،
لم يستطع أيّ أحد مهما بلغت قوّته .
فقال له السنّونو :
حتّى أنت !
قال البرد :حتّى أنا...

الأحد، شباط ٠٥، ٢٠٠٦

“صحّ النوم”


كأن الكفر بالله محلّل والكفر بالأنبياء لا… أو كأنّ ما تسمعوه اليوم شيءٌ جديد…
كأنّ من طال بحريته محو اللّه من الوجود لم يحذف معه كلّ الأنبياء، ولم يضرب عرض الحائط بإيمان الملايين…كأنّ من تتعاملوا معهم غير ماديين، هم من ليس لهم من سببٍ للاعتذار إلا أسباب إقتصادية بحتة…
أتذكرون كيف أهين المسيح؟ وكيف صوروه مغايراً للحقيقة… لم يكن وقتها مجرد كاريكاتور بل كتب وأفلام…
لكنّي لا ألومهم لما فعلوا…
لماذا؟
لأنّها هي الصورة التي يراها الغربي عنّا… لأن هذا هو ما يعرفه عنّا…
نحن إرهابيون…
كلّنا إرهابيون…
ماذا تريد أن يرسم كاريكاتوري وهو يحسّ في قرارة نفسه بخوفٍ على حياته بينما يركب الحافلة أو القطار وهو متوجهٌ إلى عمله؟…
هو يرى أنّ لديه الحضارة والأمن والسلام، ويرى بالعين الأخرى البرابرة المتشددين القادمين من الشرق يريدون محو هذه الحضارة…
لكن هؤلاء الذين يتغنون بالحرية لا يروا أكثر من أمام أعينهم…
فلو كنت مكانهم لرسمت بدل النبي محمد (صلعم) رؤساء بلادهم وهم يحملون في رؤوسهم القنابل الموقوتة ضد شعبهم…
فليس النبي محمد (صلعم) ولا غيره من الأنبياء هم من دعموا أنظمتنا القمعية الغير مستقرة… فلم نجد من مجالٍ يشفي جراحنا إلا التشدد الديني…
وليس النبي محمد (صلعم) ولا غيره من الأنبياء هم من استعمرونا وسرقوا خيرات أرضنا ولا زالوا…
وليس النبي محمد (صلعم) ولا غيره من الأنبياء هم من يتدخلون باقتصادنا وحياتنا اليومية…
وليس هم من يغضون الطرف ظلماً عن موت إخوتنا في فلسطين والعراق…
هل بحث سكان هذه الدول عن السبب الذي قد يدفع أحدهم أن يأتي من بلاده ليفجر نفسه في بلادهم دون أن يعرفهم من قبل؟…هل فكروا يوماً ماذا ستكون ردة فعل من يرى بأم عينيه موت عائلته؟…
هم أيّها الإخوة ينتفضون لحريتهم في أن يقولوا ما يشاؤون… ونحن ليس لنا الحرية أو الحق بالحياة…

فمن استفاد ومن خسر؟
أصبحت اليوم وبفضل غبائهم المحرر حجةٌ أكبر لمجاهدين…لا بل أصبحت أعدادهم أكبر…
هم خسروا المال ومحبة الناس، وأعطوا وقوداً للأصولية النامية في المنطقة وصار الشرخ أكبر بين الشرق والغرب…

وأنتم أيها العرب: لكم أقول “صح النوم” متمنياً من اللّه تعالى ألا تكون صحوة الموت…وأخيراً توحدتم حول قضيةٍ واحدة، كانت موجودةً أصلاً…
د. ساسين ميشال النبوت

الجمعة، شباط ٠٣، ٢٠٠٦

الاستقرار والانهيار...


النظام، كلمة تكاد لا تفارق أفواه مذيعي الأخبار ولا أقلام الصحفيين، ونحن نمرّ بقربها كلّ يومٍ مرور الكرام. قاموسياً فهو يعني: ما يسيّر، أو ما يدير، أو ما ينسق، أو ما يقود... ومن صفاته اللغوية: القيادة، السيطرة، التنسيق، الإدارة، التعاطي، التطور، التأقلم... والأنظمة العالمية الحالية مقسّمة بين ديموقراطية، إشتراكية، ديكتاتورية، رأسمالية ،راديكالية وملكيّة.
من يركّز قليلاً في المعنى يعرف على الفور أنّ النظام يسيّر ويدير، ينسق ويقود. ولا يمكنه أن يكون واحداً من المعاني لوحده... ما أقصده هنا هو النظام المثالي. فالنظام الذي يسيّر فقط هو الديكتاتوري... والذي يدير فقط هو مجرّد تكنوقراط... الذي ينسق ويتطور هو الديموقراطي... والنظام الذي يقود هو من يملك كلّ هذه الصفات...
ومن يمعن النظر في أنظمتنا العربية يجد أنّ فيها حفنةٌ صغيرة من كلّ ما ذكرت، وتكون صفاتها حسب الحفنة الأكبر حجماً. وطبعاً السيطرة هي الأكبر عند الأكثرية...
قد يكون فيها بعض مظاهر الديموقراطية... لكنّها تبقى مظاهر... فهي كذلك فقط يوم الإنتخابات... فما من شكّ في صدقية الإنتخابات في العدد الأكبر من هذه البلدان... لكن هناك شك في ظروف الإنتخابات، أكانت شعارات أو تحمية طائفية أو شراء مفاتيح إنتخابية أو شراء الناس عبر الضغط الترهيبي أو الترغيبي (المال)، ناهيك عن استغلال حلقة الفقر المفرغة التي أغرق بها النظام شعبه...
هي إشتراكية في بعض زواياها... لكنّ المشتركين فقط هم الطبقة الفقيرة العاملة... وهي لا تنطبق على البكوات...
هي رأسمالية فقط بأشخاصها الحاكمين... طبعاً فالمال هو حارس الكراسي وتاجرها... لكنّها تفتقد إلى هدف التطور، بهدف إبقاء الناس في الحلقة المميتة...
هي ديكتاتورية لأنّها تستأثر بالسلطة دون أخذ آراء الناس واعتبار أنّ كل ما يقولوه خيانة وتآمر...
هي راديكالية لأنّ تنوّع الطوائف المطعّمة بالطائفية العمياء ينفي الوطن ويفتح آفاق أطماع التوحّد الذاتي والتقسيم... ويغيّب عادةً مبدأ الوطن أو يسحب من التداول في الأوساط الجماهيرية... لأنه هو الحل الوحيد للحلقة المفرغة...
هي ملكية لأنّ الحكم يرتكز على شخصٍ واحد دون سواه... ولا يمكن للشعب مجرد التفكير أنّه سيموت يوماً لأنّ ذلك سيعني موت الوطن... لكن ما إن يموت يتفاجأ الجميع بابنٍ محضّر في مكانٍ ما ليحلّ مكانه... وتحلّ الفرحة... فيموت الملك ويحيا الملك... والناس يزداد فرحهم لأنّ أذهانهم ثقيلة، ولا يمكنهم تحمّل فكرة تغيير إسم قائدهم المبجّل...

جميلٌ جداً تنوّع أنظمتنا... فهي نسخة طبق الأصل عنّا... فنحن لا نعرف معنى النظام الحقيقي... نحن نلوم أنظمتنا العظيمة على ذلك، لكننا في الحقيقة يجب أن نلوم أنفسنا... وأذكر هنا هذه الكلمات المبجلة: كما تكونون يولّى عليكم...
فنحن أشخاصٌ فاسدين، ولا يمكن لنا الاستمرار إلا في أنظمةٍ نتبادل معها الخدمات... "أبيعك ما تريد مقابل صمتك عن أخطائي"...
نحن أشخاص نحبّ الذل... ونحبّ أن نحني رؤوسنا أمام عظمائنا الحكام... فإن بصقوا في وجهنا نعتبرها بركة... إن نكّلوا بنا فهذا لمصلحة الأمن القومي... إن سلبوا حقوقنا نشكرهم لأنّنا أصلاً لا نستحقها...
هل فكر أحدكم يوماً ماذا يحسّ قادتنا عندما يكون الناس راكعين عند أقدامهم لطلب وظيفة هي أصلاً حقٌّ لهم... يحسون أنهم آلهة زمانهم... يتحننون بنظرة إلى المساكين... ولا يقومون بعملٍ إلا ليراهم التعساء... يغدقون على واحدٍ ويحرمون مليوناً... طبعاً فليس لديهم الوقت لأمثالنا نحن الحثالة... فننتظر كذلك الكسيح المسكين الذي لم يستطع الوصول إلى البركة ليشفى لأنّ هناك من يسبقه دوماً عندما يحرّك "الملاك" الماء فيها...
قد يكون لنا قلب... لكن ليس فينا من فكر... تقودنا العاطفة والعصبية... فيدفعونا أمواجاً بأيّ جهةٍ يريدون، ويجعلونا نتلاشى ونختفي بمجرد وصولنا إلى أي برّ، إذ يجب ألا نرسو أبداً...

هل فكر أحدكم يوماً ما يخيف النظام وما يجعله قوياً؟... هو حضراتكم أيّها السادة... فهذه الأنظمة الهشة تخشى دوماً أن يستفيق أحدكم من سبات الشعارات التافهة والوطنية الزائفة والطائفية المسمومة، ليقلب الدنيا على رأسهم... وهي ترفض دوماً الاعتماد عليكم رغم أنّكم قوّتها الوحيدة الحقيقية... لا بل تبقى دوماً في حالة عداء طوعاً أو قسراً، غير عابئةٍ بما قيل: "لو دامت لغيرك لما آلت إليك"...
فماذا يخشى النظام إن كان شعبه كلّه نظام؟... لماذا يخاف النظام إن كان لخدمة شعبه لا لخدمة مصالحه الشخصية ومصالح عواصم القرار؟... لماذا عليه أن يستجدي دولاً أخرى لاستقراره أو انهياره؟... من ذا الذي جعلها دول قرار غير جهلنا وأنانيتنا وآنيّتنا؟...

د. ساسين النبّوت
http://www.kadmous.org/

الأربعاء، كانون الثاني ١١، ٢٠٠٦

زمن العرّافين والتافهين


يرتكز مبدأ الإعلام على أفكارأدولف هتلر… فكما قال في كتابه “كفاحي”: “كرّر ثم كرّر العبارات ومهما كانت تافهة فيحفظها الناس”…لاحظوا أنفسكم مثلاً وأنتم تستمعون إلى إحدى إذاعات الموسيقى والأغاني… فتكرر الإذاعة نفس الأغنية على مدار الساعات إن لم نقل الدقائق… ماذا يحدث: تحسّون في قرارة نفوسكم كرهاً لهذه الأغنية، لكنّم لا تستطيعوا ضبط لسانكم ومنعه من تردادها رغم تفاهة كلماتها… ونفس المبدأ ينطبق على الدعاية وكل البرامج التلفزيونية…
بالنسبة لكلّ هذه الوسائل الإعلامية المواطن هو مجرد رقم… يجعلها الإذاعة الأقوى أو الأولى أو الأعظم على وجه الأرض… وهناك مجموعة من المتخصصين الذين يدرسون ويسهرون الليالي لأستقطاب العدد الأكبر منكم… ويبيعون أفكارهم ليُسيطر عليكم… ولا شك أنّهم يدرسونكم… ويخترعون طرقهم على أساس ما يشغلكم في الوقت والمكان والظرف الذي تعيشون فيه…
وبما أنّه لم يعد للبنانيين أكثر أهمية من معرفة المستقبل، فاستقدمت إذاعات الوطن كلّ أفواج العرافين والمنجمين والضاربين بالمندل… والذي تقاضى كلّ منهم على أساس ما أصاب من أهدافٍ في العام المنصرم…فراح كلٌّ منهم يجود بما يعرف عن كلٍّ منّا…

فقد علموا أنّ برج الأسد سيهاجم بعنف الحمل… وكما تعلمون فصراعهم كان منذ البدء… لكنّ الأسد سيعرف أياماً صعبة في شهر حزيران… وسيكون حاضراً للحب في التاسع عشر من أيّار…
واكتشفوا أيضاً أنّ نطحة الثور أقوى من نطحة الجدي لأنّ كواكبهما بعيدة… وأن السرطان يسبح في الدلو ويذوب فيه… وأمّا الحوت فينتظر سهم القوس الذي لم ينطلق يوماً، لكن ربّما يطير من يده في أيلول… وهذا احتمال وارد ولا نهاية لصلاحيته حتى بعد خمس سنوات…
كما قيل أنّ العذراء ستبقى كذلك، لكنّها ستعرف الكثير من مغامرات الحبّ العاصفة…
ويحضر هؤلاء معهم مجموعة من وجوه الشاشة كشهود على كذبهم… ووجوه الشاشة هم أنبياء هذه الأيّام، الذين لهم قضية، ولا يمكن لا بيعهم ولا شراءهم أو إجبارهم!…

والقديم الجديد هو لعبة الحياة والموت… فقد صاروا يقرأون ما كتب اللّه على جباهنا… وحصوا ساعات حياتنا…لا بل صاروا محور سياسة
الدولة… والقوى الأمنية لم تعد تعرف أين سيقع الإنفجار من دون مساعدتهم… ومن سيموت… ومن هو التالي… كيف؟ وأين؟ ومتى؟…
أقوالهم تشلّ الناس في بيوتهم لساعات… ثم يظهرون فجأةً على الشاشة الصغيرة لينكروا ما أشيع…
حتى أنّ أحدهم، وهو الأشهر بينهم رفض التوقّع ليلة رأس السنة لأسبابٍ نجهلها، فبكى كثيرون لأنّهم لن يعرفوا مصيرهم في السنة القادمة كما ارتعدت فرائص أناسٍ كثيرين… ليسترنا الله من السنة القادمة… اللّه يعلم ما ينتظرنا… ناهيك عن أنّ الناس لازموا بيوتهم لأنّ عظمته أو أصداء عظمته قالت أنّ انفجاراً سيقع في تلك الليلة، فشلّ حركة البلد…

باللّه عليكم… أصار أمننا القومي في يد هؤلاء؟… أصار اقتصادنا ورقةً هشّة تتطاير أمام كذب المحتالين الأبالسة؟…
هل تخافون الموت؟… ماذا سيختلف إن عرفتم أنّ الموت سيأتي إليكم أم لم تعرفوا… هل ستستطيعون منعه أو إيقافه أو تغيير رأيه؟… أليس الأهم أن تكونوا دوماً حاضرين له؟…
هل يهمّكم أن تعرفوا إن كانت أوقاتكم ستكون سهلةً أم عسيرة؟… ما الفرق إن عرفتم أم لا ما دمتم لا تؤمنون بأن هناك من يأبه لأجلكم في كلّ الأوقات… من يحبّكم في كلّ الأوقات… ما دمتم لا تؤمنون بأنّه هناك إلهٌ لهذه الدنيا، وليس هناك من تسيّب…
تريدون أن تعرفوا متى تكون علاقتكم جيدة مع الحبيب؟ ألا يجب أن تكون هذه العلاقة جيدة دائماً على الأقل مع الحبيب، ومع كلّ الناس، وفي كلّ الأوقات؟؟؟…
تريدون أن تعرفوا متى تقعون في الحبّ؟؟ أنتم واقعين فيه منذ ولادتكم لأنّكم ثمرة حبّ…
تريدون أن تعرفوا عن أعمالكم؟… لم أسمع حتى اليوم أنّ هناك أعمالٌ تعرف الازدهار ولا تعرف الإنكسار والعكس صحيح… وتذكروا دوما هذا القول:” اللّه أعطى واللّه أخذ”…
تريدون أن تعرفوا الطقس… انظروا صوب البحر… فلا حاجة لمنجّمين لارتداء الأكمام القصيرة والطويلة…
إن أردت السرد فلن تسع كتبٌ ذلك…
لي سطرٌ واحد أزيده على ما قلت: كذب المنجّمون ولو صدقوا، فاحذروا أضاليلهم…

الثلاثاء، كانون الثاني ١٠، ٢٠٠٦

مرضٌ أم عقاب؟


كان الطيش يملأ رأسه منذ صغره… وككل أبناء جيله لم يدع شيئاً يمرّ من أمامه إلا وحصل عليه… فلم يوفّر لا الفتيات، ولا السجائر، ولا حتى المخدرات… كان يتباهى عليهم… كم صاحب من فتيات؟… كم مرّة مارس الجنس في اليوم؟…
كانت الدنيا في ناظريه مطية فرس… إلى أن أتى اليوم الذي دبّ الذعر في قلوب الشباب، إذ علموا أنّ واحدةً من الفتيات التي يحومون حولها حاملة لفيروس السيدا… وكان شابّنا العزيز واحداً منهم… فتطايروا صوب المختبرات وكلّ واحدٍ كان يتلقى نتيجته وهو مغمضٌ عينيه ( مع التذكير بأن فحص السيدا يكون مفيداً إن أجري بين اليوم الخامس عشر والشهر بعد التعرض، وهذا متعلق بنوعية الفحص الذي يملكه المختبر، لكن ليس هناك بعد من فحوصٍ ممكن أن تكشفه قبل مرور أسبوعين على التعرّض)…
يومها بدأت قصة شابّناالمسكين… فقد رفضت العاملة التقنية في المختبر إعطاءه النتيجة، وطلبت منه أن يأتي في اليوم التالي ليستلمها من الطبيب شخصياً… سألها عن السبب فقالت: إفرح ليلةً بعد… حلّت كلماتها عليه كثقل الجبال… انعقد لسانه… وخرج ليعدّ من حينها الثواني ليقابل الطبيب في اليوم التالي… لم ينم طول الليل… كان يرتعش من الخوف هو من كان يخيف كلّ أبناء الحي بحجمه وقوّته…
في اليوم التالي زفّ إليه طبيب المختبر الخبر المريع… فخرج متثاقلاً لا يرى أمامه… واسودّت الدنيا في ناظريه… فغرق في غرفته حزيناً يائساً… أطفأ جهازه الخليوي، وأغلق أبوابه بإحكام… بين يديه المرتجفتين كان يحمل ورقة الفحص غير قادرٍ على التصديق… لماذا؟… لماذا أنا؟… امتلأت عيناه بالدموع… وأحسّ بغصّة كادت تخنقه…
في هذه الأثناء، كانت عاملة المختبر تبثّ في كلّ المنطقة الخبر ( خارقةً بذلك قانون السريّة الطبيّة وقواعد الأخلاق)…
فعرف كلّ أبناء الحي… وأصدقاءه الشباب… والبنات… ووصل الخبر إلى أذني مدير البنك الذي كان يعمل فيه فطرده…
تركه الجميع وحيداً… صار مثل العدوى… أو المرض بحدّ ذاته… لم يعد يزوره أحد… أبعد الأطفال عن دروبه… مطاعم المنطقة رفضت استقباله…
رفاقه صاروا يزدرونه… ونعتوه بألفاظ نابية…
احتاج المال فنكره الجميع… أقلّ ما قيل له ممّن قضى معهم أوقات الفرح الزائل: ابتعد عنّي يا هذا… إنسى أنّك تعرفني…
حتى أهله صاروا يعتبروه عاراً عليهم، وأنّه هو من لطّخ سمعتهم بأوسخ شيء ( بينما كان في نظرهم دون جوان عصره قبل الإصابة)…حتى في نظره، كان كمن سقط من أعلى البرج ولم يعد فيه شيءٌ ينفع… ما فائدة الحياة بعد بالنسبة إليه… ما مستقبله… ماذا سيحصل…الأفكار كانت تملأ رأسه في التهار، وتؤرقه في الليل…أينتحر وينتهي من هذا العذاب؟…
لسببٍ لا يعرفه إلا هو لم يقتل نفسه…في أحد الأيّام أصابه إلتهابٌ رئوي، وكان يحتاج لدخول المستشفى، لكن رفضته كلّ المستشفيات لأنّه يحمل فيروس السيدا… فكان لا بدّ من أن يراه طبيب اختصاصي في هذا المرض… فأوصله سائق كاهن الرعية إلى عيادة الطبيب…وهناك سرد الشاب المنهار قصّته للطبيب، الذي فاجأه وهو يقول:
من أذاعت مرضك للناس تستحق السجن…
من طردك من عملك هو مجرمٌ بحقّ الإنسانية… فمرضك لا يعدي لا باللمس ولا بالنفس ولا بالعناق… ولا أعتقد أنّكم كنتم تمارسون الجنس على طاولات العمل، أو تقضون النهار وأنتم تنقلون الدماء لبعضكم…
المستشفى التي رفضتك يجب أن تقفل بالشمع الأحمر…
مرضك يا سيد، هو مرض ككلّ الأمراض المزمنة… كالسكري مثلاً… وله علاج مجاني ( على نفقة وزارة الصحة)…ما عليك يا سيد هو أن تتّقي بعض الأمور…
فلا علاقات جنسية بدون وقاية (وبدون علاقات أفضل)… لا مشاركة لفرشاة الأسنان، أدوات الحلاقة وكلّ الأشياء المسننّة مع الآخرين… وممنوعٌ عليك أن تتبرع بالدم للآخرين…إن أخذت دواءك بالشكل الصحيح بإمكانك أن تكون شخصاً طبيعياً ( دون النسيان أنّك دوماً معدٍ)…
هل المرض برأيكم عقابٌ على خطيئةٍ نقترفها؟…
أليس من أدانوا هذا الشخص على خطيئته خطأةٌ أيضا؟ً…
لماذا تركه أصدقاؤه عندما أصيب، بينما كانوا ولا يزالون متبارين فيما بينهم على نفس الشيء؟…
لماذا لم ينبّهه أهله في البداية؟…
أليس ما كان يفعله في البدء عاراً عليهم أكثر؟…
أسئلةٌ لضمير القراء…