This website is being formatted... please be patient until we finish our upgrading...

الخميس، تشرين الأول ٢٧، ٢٠٠٥

سوء إدارة الأزمات

في العادة تقود سياسات الدولة الناس… لكن في لبناننا الحبيب وبسبب غياب التنسيق بين مختلف
أجهزة الدولة فإن هذه السياسات هي مجرد إشاعات يبثها مصدرٌ في جهازٍ إعلامي… وكما تبرق في المشرق وترى في المغرب، تشقّ الأخبار طريقها في كلّ الاتجاهات… كلٌّ يقرأ على طريقته… كلّ يسمع على طريقته… فيبيض الديك وتطير العنزة والذي يقال واحداً يسمعه الناس عشرة… ونتيجةً لذلك يتكبّد الناس فالدولة خسائر فادحة…
والمعروف أنّه في غياب البراهين والاختبارات فأقوال المصادر تفتقد إلى المصداقية حتى وإن كانت نقلاً عن مصادر أجنبية…

في الآونة الأخيرة رمى المسؤولون في الشارع خبر أنفلونزا الدجاج… ثم اختفوا… بينما لا يزال هذا المرض يتفاعل إقليمياً…
اختفوا دون الإيضاح للناس كيف ينتقل هذا الفيروس؟ ما هي عوارضه؟ وكيف يمكن تجنبه؟ هل هناك من لقاح؟ ما الإجراء الذي اتخذوه لحمايتنا؟ هل حقاً يوجد لدينا مختبر باستطاعته تشخيصه؟
أشك في ذلك يا معالي الوزراء والمدراء العامين…
فتصرّفكم المشين دمّر ما تبقى من قطاعٍ زراعي… وأصحاب مزارع الدواجن كسدت أرزاقهم… وأفلس منهم كثيرين… لماذا؟!
لأنّ الناس اعتقدت أنّ هذا الفيروس ينتقل عبر أكل الدجاج، أو عبر أكل بيض الدجاج… فنال مربّي الطيور المنشار القاطع من جهتيه… فهم المعرضون الأوفر حظاً لهذا الفيروس بحكم عملهم، وهم من توقفت أعمالهم بسببه…

فيا مواطني الأعزاء، أقول لكم ما لم يقله معاليهم… ليس لدينا في لبنان أنفلونزا الطيور… وإن وجدت فالدجاجة المصابة لن تصل إليكم
لتأكلوها… كما أنّ أنفلونزا الطيور لا ينتقل عبر بيض الدجاج… وإن اتخذ إجراءٌ جدّي للمكافحة فقد نكون بمنأى عنه…
وأنا ههنا لست لأرجوكم، بل لأقول لكم أنّه يجب التوقف عن الصيد… وطبعاً هذا ليس بأمر، لكنّه دعوةٌ حقيقية للمشاركة في واجبٍ وطني وأنساني…… منبّهاً إياكم أنّه ليس هناك نوعٌ من الطيور يحمل الفيروس معه وآخر لا…

د. ساسين ميشال النبّوت
http://www.sasar.blogspot.com/

الأربعاء، تشرين الأول ١٢، ٢٠٠٥

طفلٌ يكبر

كانت أمي تقضي أوقات النهار بتمرير أناملها بنعومةٍ شديدة على بطنها لتداعبني، فأردّ أنا بركلات خفيفة... وقد أنّها تفرحها لأنّ نبضات قلبها تتراقص فرحاً كلّما فعلت ذلك... ولا أستطيع عدّ الأيام التي كنّا نجلس سوياً، وكانت تقرأ لي قصصاً وأخبار... فتعلّمت الخيال والأحلام وأنا لا أزل في كيس الماء...
كنت رفيقاً يؤنسها كلّ النهار في غياب أبي الذي كان يكدّ ، ليعود في المساء حاملاً أطيب الأطعمة... طبعاً، فبماذا قد يفكّر طفلٌ في طور النمو؟!... أليس بما يستطيع أن يسرق من الغذاء المتوفّر في عروق أمّه... وأقول لكم أنّ أجمل اللحظات عندي كانت عندما أسمع أبي وهو يتغزّل بأمي... وكانت ترتعش أوصالها، ومعها كنت أرتعش أنا، ولا ضير في ذلك كوني الثمرة على شجرة حبهم ... وقد كانت أميّ تخبره بما كانت تحسّ خلال النهار، فيضع أذنه على بطنها كي يسمع نبضات قلبي...
مرّت ستّة أشهر وأنا في بطنها، وكان عدّ الأيام أوّل ما تعلّمته من البشر... وكنت أنصت بتركيزٍ كبير إلى كلّ ما يدور حولي... وأحفظ في قلبي بصمتٍ كلّ ما يقول له البشر أسرار... بما في ذلك أسرار والديّ ... وكنت أزور معها كلّ الأماكن... الأحب على قلبي منها كانت زيارة أقربائي الذين لم أسمع منهم إلا ثناءهم ومحبتهم الكبيرة لها... وكان سؤالهم لها ملازمٌ لأحاسيسي... متى يكون الموعد... متى سألامس هذه الأرض...
لقد انتظرت يوم ولادتي بفارغ الصبر... انتظرته بعدما أحسست بأنّ هذا العالم مليءٌ بالحب والحنان...
في يومٍ من الأيام، تعبت أمي كثيراً من عمل المنزل، خصوصاً وأنّها تتحمل وزني الثقيل... وفي المساء عاد أبي حانقاً مكفهراً، فسألته أمي عن السبب... وما فهمته من حديثيهما أنّ أحدهم، وبسبب خلافاتٍ بين عائلتينا، منع أبي من الترقّي في وظيفته... وكان حزن أميّ شديداً، لدرجةٍ جعلتني أتمنى لو أختصر المسافة بوقتٍ قليل لأنتقم ممّن كان السبب في ذلك... لكن لم يكن لدي القدرة لأخرق الطبيعة، فرحت أنتظر انتهاء مهلة سجني في الرحم، حتى أخرج... أنتظر وأنا أسمع أبي كل يوم يكرر كرهه لهؤلاء... الكره الذي كان آخر ما تعلمته قبل قدومي إلى هذا العالم...
أتى اليوم المنتظر، وكان أفراد عائلتي ينتظرون في الخارج، باستثناء أبي الذي دخل ليمسك بيد أمي، التي كانت تتألم من المخاض...
خرجت إلى العالم، وأول ما قابلته كانت صفعةً من الطبيب على مؤخرتي... وكنت متمنيّاً لو أنّه فهم لغتي في حينها، لكنّي أثبتُ لاحقاً أنّي أكره الأطباء، كما كل الذين يعتقدون أنّهم بضربي يستطيعون تعليمي كيف أعيش... لكن ما هدأ ثورة غضبي كانت أول قبلةٍ أراها مباشرةً... قبلة أعطاها أبي لأمّي...
بعد يومين خرجت من المستشفى، لأمكث لأمدٍ غير محدد في الغرفة التي صنعت وصممت خصيصاً من أجلي... وأكثر ما قمت به كان البكاء، فقد كان وسيلتي الوحيدة للحصول على الطعام...
مرّت سنينٌ خمس، وذهبت إلى المدرسة... وهناك حيثما كان يجب أن أتعلّم، التقيت بابن الذي كان سبباً بتعاسة أمّي وأبي... وماذا حصل؟! هاجمته وأبرحته ضرباً... ولو لم يبعدني أهل النخوة لكنت أكملت حتى مات... فأخذوني وقتها عند الناظرة، التي كانت من أقرباء أبي... فقامت بتهدئتي... وطبعاً سألتني عن سبب تصرفي الأرعن... فقلت ما عندي... لكنّي صدمت بجوابها لي: يا عزيزي... والدك لم تكن له المؤهلات لنيل ذاك المركز... ووالدك هو من غذى الحقد عندما رفضه هذا الرجل...
ماذا تريدون منّي أن أحسّ ذاك الوقت... فلم أعد أرى ما حولي ولا أمامي... وصرت اسمع وأتكلم كمن يهذي.. إلى أن وصلت البيت، وتأكّدت أنّ ما قالته قريبتي صحيح... عندها طبعاً أقفلت على نفسي، ولم أعد أعرف ماذا أقول أو ماذا أفعل...
مرّت الأيام، وتعافيت تدريجياً وبصعوبةٍ كبيرة من الصدمة... وعدت إلى مدرستي... لكنّ الغريب، أنّني كلما كنت ألتقي بذاك الصبي لا أجد نفسي إلا حانقاً غاضباً ، وكنت أضربه حتى بالحجارة إن كان بعيداً عن متناول يديّ... لكنّ قلبي كان يئنَ من ألألم بسبب تصرفي... ولم أستطع يوماً أن أوقف انتقامي التافه ...
فأخذت عهداً على نفسي بأن لا أتكلم عن الكره أمام أولادي، حتى وإن كنت على حقّ... لماذا؟!... لأنّي عرفت ما هي قيمة انتقال الكره بالدم...

د. ساسين ميشال النبوت

السبت، تشرين الأول ٠٨، ٢٠٠٥

قدموس

بينما كانت السفن تحمِّل كلّ الخائفين والمتذمّرين من حالة الوطن... وبينما راحت تتسابق هاربةً لتحافظ على ما تبقى من السلالة التي ليس لها من مثيل في كلّ الأرض... وصل الخبر إلى أذن قدموس، الذي كان يجوب بسفينته في كلّ البسيطة ليعلّم الناس الحرف فصُدم حتى الموت...

أيعقل؟! أيعقل أنّه هو من ترك بلاده ليشعّ نور المعرفة في كلّ مكان يخسر بلاده؟!...
فأوقف رسالته الإنسانية وقفل عائداً إلى أرضه الأم...
نعم، قرّر العودة مع أنّه كان يجدف عكس التيار، ومع أنّ الرياح الغربية كانت تعاكس أشرعته...

وكان كلّما التقى بواحدة من السفن الراكضة يستوقفها مستفسراً... فلا يلقَ إلا جواباً واحداً: هل جننت لتعود إلى الخراب والضياع؟!...
بينما كان ينتهرهم: هل جننتم؟ هذا الوطن... هذا لبنان... أين أنتم ذاهبون؟... ماذا تعتقدون؟... ماذا ينتظركم في الغرب؟... آه! هذا لبنان... هذه الجنّة، أين أنتم ذاهبون؟...
فلم يكن يتلقّى إلا قهقهات الاستهزاء، وكم كان ألمه كبيراً...

ما إن لامست سفينته المياه الإقليميّة حتى تراكضت نبضات قلبه... فأحسّ بفرحٍ غريب رغم الحزن الذي كان يتآكله...
لكنّه ومن بعيد، شاهد الناس يحتشدون عند المرفأ... وعندما اقترب أكثر شاهد أبناء وطن الأرز يقبّلون وهم راكعين أيادي السفراء، ليحصلوا على ختمٍ أو ورقة تخوّلهم ترك الوطن...
فهاله المنظر... وتمنّى لو أنّ البحر ابتلعه وسفينته قبل أن يرى ما رأى...
ما أن لامست أرجله الأرض، ركع وقبّلها... ثم قام بطريقةٍ هجوميّة صوب الناس وراح يصرخ قائلاً:
لبنان هو أرضنا... لبنان حبيبنا... لبنان سلامنا... لبنان راحتنا... لبنان بيتنا... لبنان رسالتنا... لبنان لنا...
لمن تتركوا مساجدكم وكنائسكم؟...
لمن تتركوا بيوتكم؟...
لمن تتركوا قدّيسيكم؟...
لمن تتركوا الأرز؟...
كيف سيعطونكم أرضاً وهم طامعون في أرضكم...
كيف سيحبكم من أنتم دوماً في نظره "الغرباء"...
حيث أنتم ذاهبون لا سلام لكم لأنّكم ستكونون أوّل من يعتقل كلّما تعارك زعيمٌ منهم مع صاحبته...
هل تعتقدون أنّكم قبلتم في بلادهم إلا لتكونوا أجراء...
بلادنا ليس هناك مثل جمالها...
بلادنا ليس لها مثيل أيّها الإخوة...
عودوا... عودوا... عودوا...

من كان له من الناس آذانٌ للسمع في ذاك اليوم وسمع عاد...
وعلم الكثيرون بأقواله فتمسّكوا الوطن...
ومن عرف مدى حبّه لأرضه، أبى أن يحيا إلا في الأكواخ التي بناها أجداده، وأبى ألا يدفن إلا فيها...
ولم يكتف قدموس بنفسه، بل راح يجمع من كلّ حدبٍ وصوبٍ في الوطن كلّ من في نفسه حبّ لبنان... وكلّ من في الغربة ويحنّ لرائحة وهواء لبنان... ومن كان في نفسه خوفٌ من الكلام، شجّعه وساعده حتى يصير طليقاً... من لم يعرف كيفيّة البناء، حمل معه وبنى معه... من عمل حسناً أثنى عليه، مذكّراً إيّاه أنّنا كلّنا للوطن...
من كلّ حدبٍ وصوبٍ لملمهم... وجمعهم كلّهم في حزبٍ واحد، وهو ما لم يقدر على فعله قائد مرّ يوماً على السلطة... جمعهم في حزب لبنان... حزب حبّ لبنان... حيث ليس هناك حقّّاً لا طائفية، لا مذهبية، لا مناطقيّة ولا فئوية...

فيا قدموسنا!
شكراً لما قدّمت وتقدّم من وقتٍ وجهدٍ مجاناً خدمةً للبنان... ورجلاً كنت أم فتاة، فبأعمالك أنت رجل ولا كلّ الرجال...
ولا تأبه إن تركت سفينتك مرافئ البعيد، لأنّك بعودتك إلينا حميت مرفأ الوطن الأبدي... ولأن حرفك اللبناني الأصيل خرق ولا زال يخرق الأزمنة والأماكن... فأنت ومنذ آلاف السنين لم تتوقّف عن تعليم الحوار بالحرف والكلمة لكلّ شعوب الأرض...

د. ساسين ميشال النبّوت

الاثنين، تشرين الأول ٠٣، ٢٠٠٥

الشاعر

عرفت في أيّامي عن واحدٍ من الشعراء المغمورين، الذين لم تُتِح لهم المادة التقدّم في الإبداع... فقد جعلته عبداً للعمل الذي تحكّم به وبأوقاته...
وكان شاعرنا هذا مرهف الإحساس، ورهافة إحساسه جعلته شديد الحزن... لأنّه ليس هناك في هذه الحياة ما يحول دون جرحه... فرؤية الفقير المعدم، والمريض المتألّم كانت تجعل قلبه منقبضاً... حتى الأشياء التي قد نحسد الناس عليها كانت تبكيه...
كان واحداً من الأشخاص القلّة الذين يرون باطن الأمور، ولا يقتنعون بأشكالها الظاهرية... بمعنىً آخر كان لا يكلّم إلا الروح، ويفهم كلّ عذاباتها وأفراحها...
فاتهمه الناس بالضعف لكثرة حنانه وتسامحه...

تعرّف الشاعر في أحد الأيام على فتاةٍ رائعة الجمال، نقية القلب... فوقعا في الحب...
لكن من ذكر أنّ رجلنا كان مرتاحاً... فقد كان الفقر يعذّبه بسياطه...
لكن ما هو أفضل من أن يهدي شخصٌ قصائد لحبيبته؟...

وبما أنّ الفقير عليه دوماً أن يأكل الحصرم، وقع حادثٌ مروّع... والفتاة الرائعة انشلّت رجلاها وخسرت عيناها كما تشوّه وجهها بصورةٍ رهيبة... وبكى شاعرنا حتى جفّ فيه الدمع... وذهب إليها مسرعاً... لكنّها كانت قد أوصت أهلها أن يمنعوه من الدخول، وأن يقولوا له أن يرحل، لأنّها لم تعد الفتاة التي أحب... فرجاهم باكياً أن يسمحوا له إلى أن حنّ قلبهم على من لم يروا منه سيئاً...
دخل وركع أمام فراشها فما كان منها أن قالت: أرجوك اتركني وإنساني... ألا ترى؟... لقد صرت قطعةً من اللحم والعظام لا تنفع شيئاً... ألا ترى؟! لم يعد لدي جمال ولن أرضيك بعد اليوم...
فقال الشاعر: منذ متى وأنت تعتقدين أنّي أحبّ جسداً تستطيع الأيّام ومصائبها أن تدوسه؟... ألا تعلمين أنّي أحبّ روحك ومن دونها لا أعيش؟... أرجوك لا تقولي أنّك لا تستطيعين إرضائي... فإن كنت عمياء، عيناي هما من ينيران طريقك... وإن كنت مشلولة، فجسمي أرجل توصلك إلى حيث تريدين... وإن كنت تعتبرين نفسك بشعة، فأنت أجمل إنسانٍ في نظري...
فمدّت له الفتاة يدها، وراح يقبّلها وهو يجهش بالبكاء...

وفي يوم زفافه منها كان معظم الناس يقولون: لقد جنّ وهو في عزّ شبابه... باستطاعته أن يتزوّج أيّ فتاة، فاختار العمياء والمشلولة منهنّ!!!...
فقلت لهم: هذا هو الحبّ...
فقالوا: حقاً إنّ الحبّ أعمى...
فقلت: لا، الحق أقول أنّه ليس هناك من حبٍّ أعمى، بل هنا أناس عميان... عميان عن الروح...

د. ساسين ميشال النبّوت