This website is being formatted... please be patient until we finish our upgrading...

الأربعاء، كانون الثاني ١١، ٢٠٠٦

زمن العرّافين والتافهين


يرتكز مبدأ الإعلام على أفكارأدولف هتلر… فكما قال في كتابه “كفاحي”: “كرّر ثم كرّر العبارات ومهما كانت تافهة فيحفظها الناس”…لاحظوا أنفسكم مثلاً وأنتم تستمعون إلى إحدى إذاعات الموسيقى والأغاني… فتكرر الإذاعة نفس الأغنية على مدار الساعات إن لم نقل الدقائق… ماذا يحدث: تحسّون في قرارة نفوسكم كرهاً لهذه الأغنية، لكنّم لا تستطيعوا ضبط لسانكم ومنعه من تردادها رغم تفاهة كلماتها… ونفس المبدأ ينطبق على الدعاية وكل البرامج التلفزيونية…
بالنسبة لكلّ هذه الوسائل الإعلامية المواطن هو مجرد رقم… يجعلها الإذاعة الأقوى أو الأولى أو الأعظم على وجه الأرض… وهناك مجموعة من المتخصصين الذين يدرسون ويسهرون الليالي لأستقطاب العدد الأكبر منكم… ويبيعون أفكارهم ليُسيطر عليكم… ولا شك أنّهم يدرسونكم… ويخترعون طرقهم على أساس ما يشغلكم في الوقت والمكان والظرف الذي تعيشون فيه…
وبما أنّه لم يعد للبنانيين أكثر أهمية من معرفة المستقبل، فاستقدمت إذاعات الوطن كلّ أفواج العرافين والمنجمين والضاربين بالمندل… والذي تقاضى كلّ منهم على أساس ما أصاب من أهدافٍ في العام المنصرم…فراح كلٌّ منهم يجود بما يعرف عن كلٍّ منّا…

فقد علموا أنّ برج الأسد سيهاجم بعنف الحمل… وكما تعلمون فصراعهم كان منذ البدء… لكنّ الأسد سيعرف أياماً صعبة في شهر حزيران… وسيكون حاضراً للحب في التاسع عشر من أيّار…
واكتشفوا أيضاً أنّ نطحة الثور أقوى من نطحة الجدي لأنّ كواكبهما بعيدة… وأن السرطان يسبح في الدلو ويذوب فيه… وأمّا الحوت فينتظر سهم القوس الذي لم ينطلق يوماً، لكن ربّما يطير من يده في أيلول… وهذا احتمال وارد ولا نهاية لصلاحيته حتى بعد خمس سنوات…
كما قيل أنّ العذراء ستبقى كذلك، لكنّها ستعرف الكثير من مغامرات الحبّ العاصفة…
ويحضر هؤلاء معهم مجموعة من وجوه الشاشة كشهود على كذبهم… ووجوه الشاشة هم أنبياء هذه الأيّام، الذين لهم قضية، ولا يمكن لا بيعهم ولا شراءهم أو إجبارهم!…

والقديم الجديد هو لعبة الحياة والموت… فقد صاروا يقرأون ما كتب اللّه على جباهنا… وحصوا ساعات حياتنا…لا بل صاروا محور سياسة
الدولة… والقوى الأمنية لم تعد تعرف أين سيقع الإنفجار من دون مساعدتهم… ومن سيموت… ومن هو التالي… كيف؟ وأين؟ ومتى؟…
أقوالهم تشلّ الناس في بيوتهم لساعات… ثم يظهرون فجأةً على الشاشة الصغيرة لينكروا ما أشيع…
حتى أنّ أحدهم، وهو الأشهر بينهم رفض التوقّع ليلة رأس السنة لأسبابٍ نجهلها، فبكى كثيرون لأنّهم لن يعرفوا مصيرهم في السنة القادمة كما ارتعدت فرائص أناسٍ كثيرين… ليسترنا الله من السنة القادمة… اللّه يعلم ما ينتظرنا… ناهيك عن أنّ الناس لازموا بيوتهم لأنّ عظمته أو أصداء عظمته قالت أنّ انفجاراً سيقع في تلك الليلة، فشلّ حركة البلد…

باللّه عليكم… أصار أمننا القومي في يد هؤلاء؟… أصار اقتصادنا ورقةً هشّة تتطاير أمام كذب المحتالين الأبالسة؟…
هل تخافون الموت؟… ماذا سيختلف إن عرفتم أنّ الموت سيأتي إليكم أم لم تعرفوا… هل ستستطيعون منعه أو إيقافه أو تغيير رأيه؟… أليس الأهم أن تكونوا دوماً حاضرين له؟…
هل يهمّكم أن تعرفوا إن كانت أوقاتكم ستكون سهلةً أم عسيرة؟… ما الفرق إن عرفتم أم لا ما دمتم لا تؤمنون بأن هناك من يأبه لأجلكم في كلّ الأوقات… من يحبّكم في كلّ الأوقات… ما دمتم لا تؤمنون بأنّه هناك إلهٌ لهذه الدنيا، وليس هناك من تسيّب…
تريدون أن تعرفوا متى تكون علاقتكم جيدة مع الحبيب؟ ألا يجب أن تكون هذه العلاقة جيدة دائماً على الأقل مع الحبيب، ومع كلّ الناس، وفي كلّ الأوقات؟؟؟…
تريدون أن تعرفوا متى تقعون في الحبّ؟؟ أنتم واقعين فيه منذ ولادتكم لأنّكم ثمرة حبّ…
تريدون أن تعرفوا عن أعمالكم؟… لم أسمع حتى اليوم أنّ هناك أعمالٌ تعرف الازدهار ولا تعرف الإنكسار والعكس صحيح… وتذكروا دوما هذا القول:” اللّه أعطى واللّه أخذ”…
تريدون أن تعرفوا الطقس… انظروا صوب البحر… فلا حاجة لمنجّمين لارتداء الأكمام القصيرة والطويلة…
إن أردت السرد فلن تسع كتبٌ ذلك…
لي سطرٌ واحد أزيده على ما قلت: كذب المنجّمون ولو صدقوا، فاحذروا أضاليلهم…

الثلاثاء، كانون الثاني ١٠، ٢٠٠٦

مرضٌ أم عقاب؟


كان الطيش يملأ رأسه منذ صغره… وككل أبناء جيله لم يدع شيئاً يمرّ من أمامه إلا وحصل عليه… فلم يوفّر لا الفتيات، ولا السجائر، ولا حتى المخدرات… كان يتباهى عليهم… كم صاحب من فتيات؟… كم مرّة مارس الجنس في اليوم؟…
كانت الدنيا في ناظريه مطية فرس… إلى أن أتى اليوم الذي دبّ الذعر في قلوب الشباب، إذ علموا أنّ واحدةً من الفتيات التي يحومون حولها حاملة لفيروس السيدا… وكان شابّنا العزيز واحداً منهم… فتطايروا صوب المختبرات وكلّ واحدٍ كان يتلقى نتيجته وهو مغمضٌ عينيه ( مع التذكير بأن فحص السيدا يكون مفيداً إن أجري بين اليوم الخامس عشر والشهر بعد التعرض، وهذا متعلق بنوعية الفحص الذي يملكه المختبر، لكن ليس هناك بعد من فحوصٍ ممكن أن تكشفه قبل مرور أسبوعين على التعرّض)…
يومها بدأت قصة شابّناالمسكين… فقد رفضت العاملة التقنية في المختبر إعطاءه النتيجة، وطلبت منه أن يأتي في اليوم التالي ليستلمها من الطبيب شخصياً… سألها عن السبب فقالت: إفرح ليلةً بعد… حلّت كلماتها عليه كثقل الجبال… انعقد لسانه… وخرج ليعدّ من حينها الثواني ليقابل الطبيب في اليوم التالي… لم ينم طول الليل… كان يرتعش من الخوف هو من كان يخيف كلّ أبناء الحي بحجمه وقوّته…
في اليوم التالي زفّ إليه طبيب المختبر الخبر المريع… فخرج متثاقلاً لا يرى أمامه… واسودّت الدنيا في ناظريه… فغرق في غرفته حزيناً يائساً… أطفأ جهازه الخليوي، وأغلق أبوابه بإحكام… بين يديه المرتجفتين كان يحمل ورقة الفحص غير قادرٍ على التصديق… لماذا؟… لماذا أنا؟… امتلأت عيناه بالدموع… وأحسّ بغصّة كادت تخنقه…
في هذه الأثناء، كانت عاملة المختبر تبثّ في كلّ المنطقة الخبر ( خارقةً بذلك قانون السريّة الطبيّة وقواعد الأخلاق)…
فعرف كلّ أبناء الحي… وأصدقاءه الشباب… والبنات… ووصل الخبر إلى أذني مدير البنك الذي كان يعمل فيه فطرده…
تركه الجميع وحيداً… صار مثل العدوى… أو المرض بحدّ ذاته… لم يعد يزوره أحد… أبعد الأطفال عن دروبه… مطاعم المنطقة رفضت استقباله…
رفاقه صاروا يزدرونه… ونعتوه بألفاظ نابية…
احتاج المال فنكره الجميع… أقلّ ما قيل له ممّن قضى معهم أوقات الفرح الزائل: ابتعد عنّي يا هذا… إنسى أنّك تعرفني…
حتى أهله صاروا يعتبروه عاراً عليهم، وأنّه هو من لطّخ سمعتهم بأوسخ شيء ( بينما كان في نظرهم دون جوان عصره قبل الإصابة)…حتى في نظره، كان كمن سقط من أعلى البرج ولم يعد فيه شيءٌ ينفع… ما فائدة الحياة بعد بالنسبة إليه… ما مستقبله… ماذا سيحصل…الأفكار كانت تملأ رأسه في التهار، وتؤرقه في الليل…أينتحر وينتهي من هذا العذاب؟…
لسببٍ لا يعرفه إلا هو لم يقتل نفسه…في أحد الأيّام أصابه إلتهابٌ رئوي، وكان يحتاج لدخول المستشفى، لكن رفضته كلّ المستشفيات لأنّه يحمل فيروس السيدا… فكان لا بدّ من أن يراه طبيب اختصاصي في هذا المرض… فأوصله سائق كاهن الرعية إلى عيادة الطبيب…وهناك سرد الشاب المنهار قصّته للطبيب، الذي فاجأه وهو يقول:
من أذاعت مرضك للناس تستحق السجن…
من طردك من عملك هو مجرمٌ بحقّ الإنسانية… فمرضك لا يعدي لا باللمس ولا بالنفس ولا بالعناق… ولا أعتقد أنّكم كنتم تمارسون الجنس على طاولات العمل، أو تقضون النهار وأنتم تنقلون الدماء لبعضكم…
المستشفى التي رفضتك يجب أن تقفل بالشمع الأحمر…
مرضك يا سيد، هو مرض ككلّ الأمراض المزمنة… كالسكري مثلاً… وله علاج مجاني ( على نفقة وزارة الصحة)…ما عليك يا سيد هو أن تتّقي بعض الأمور…
فلا علاقات جنسية بدون وقاية (وبدون علاقات أفضل)… لا مشاركة لفرشاة الأسنان، أدوات الحلاقة وكلّ الأشياء المسننّة مع الآخرين… وممنوعٌ عليك أن تتبرع بالدم للآخرين…إن أخذت دواءك بالشكل الصحيح بإمكانك أن تكون شخصاً طبيعياً ( دون النسيان أنّك دوماً معدٍ)…
هل المرض برأيكم عقابٌ على خطيئةٍ نقترفها؟…
أليس من أدانوا هذا الشخص على خطيئته خطأةٌ أيضا؟ً…
لماذا تركه أصدقاؤه عندما أصيب، بينما كانوا ولا يزالون متبارين فيما بينهم على نفس الشيء؟…
لماذا لم ينبّهه أهله في البداية؟…
أليس ما كان يفعله في البدء عاراً عليهم أكثر؟…
أسئلةٌ لضمير القراء…