This website is being formatted... please be patient until we finish our upgrading...

السبت، كانون الأول ٢٩، ٢٠٠٧

لبنان … شهدائه




أنا من وهب نفسه للموت فداءً عن أهلي وناسي
نعم! لنفسي صار المجد عندما أُعطيت العرش
فخشع كلّ الناس لمّا علموا بما فعلت
خشعوا إحتراماً للملك الآتي الى منزله ليتوّجوه شهيداً
ليتوّجوه بعرسٍ كبير
عرس جعلتموه يختلف عن كلّ عرسٍ أخر
ففرحتم وعلت أهازيجكم لأنّ عمري لم يضع هباءً
لم يضع لأنّ اسمي حُفِر على لوحة التاريخ في ذاكرة الوطن
لوحة وُجِدت فقط للعظماء …

وجهة نظر…


“يومٌ عاصفٌ من الإتهمات والنعوت”… طبعاً إنّه وصفٌ ينطبق على كلّ أيامنا نحن اللبنانيين، لأن حضرات “ما يسمّى بالسياسيين” عندنا يؤخذ عليهم أنّه ضليعون باللغة العربية وبالعروبة… فلا يتورّعون عن استعمال كلّ فعلٍ في غير محله إذ يحقّ لهم ما لا يحقّ لغيرهم… والفاعل الظاهر مَحاوِر وخرائط، بينما الحقيقي متخفٍّ في عين الحلوة أو برمودا، من يعرف؟!
يضاف إليه عددٌ من الرسوم التشبيهيّة وبعض الأمثال، فيجرّ الردود الجارفة المستنكرة من كلّ حدبٍ وصوب، وما من داعٍ للتذكير بعدد أدوات الجرّ التي يملكون… والمفعول به الوحيد هو المواطن المسكين الذي لا هدف له إلا أن يعيش في وطنه بعزّة نفس…
وبما أنّ كلّ شيء عندنا مبني على الزور والاستكبار، سحب السياسيون الثقة من شعبنا بدل أن ننتزعها نحن منهم… فصرنا نتناطح يمنةً ويسرةً، ونتمنّى ألا يسمع أحد موقفنا الحقيقي. طبعاً نحن ملزمين بخطٍ معيّن يرسموه هم عنّا قبل أن نولد… والخروج من السرب يعدّ خيانة. وكما نعرف جميعاً أن خيانة الزعامة خطيئة، أمّا الزنى بالوطن عبر هذه الزعامة فحلال…
حاولت اليوم أن ألجم غضبي، فأقفلت على نفسي تاركاً عواصف النهار في غرفةٍ أخرى… وقلت: أودّ أن أفكّر ماذا يفعل هؤلاء المتحكّمين بمصيرنا في الليل، متناسياً أيّام استضافتهم في حلقات إذاعيّة…
ماذا يفعلون؟
أيحاسبون أنفسهم على ما اقترفوه في النهار كي يناموا مرتاحين من وخز الضمير؟! لا تصدّقوني، إنّي أمازحكم كي نخرج قليلاً من الأجواء المتلبّدة…
أيحسّون بالنشوة لأنّ الجماهير صفّقت لهم في النهار، وردّدت السباب من ورائهم؟! إحتمالٌ حظوظه قليلة لأنّ الشعب لا يعنيهم، وهم لا يسمعون أصلاً إلا صوتهم الشخصي…
أيبكون لأنّ الوضع الذي آلت إليه البلاد لا نحسد عليه؟ إحتمالٌ أيضاً، لكنّه ملغىً لأن من هو بعظمتهم ممنوع عليه البكاء (بروتوكوليّاً)…
أيجمعون تصريحات خصومهم وأصدقائهم، والردود، كما الردود على الردود؟! إحتمالٌ وارد، فهذه هوايتهم المفضلة. لكنّ حظوظها قليلة والسبب يعود إلى أنّهم إرتجاليون وانفعاليون وإن قالوا أيّ كلمة تردّ عليهم الغيوم بالبروق والرعود…
أيتابعون الأخبار؟ ما من داع، فهم لا يسمعون إلا إلى أذاعاتهم، التي تنسى الوطن عندما تجود عن مآثرهم، ولا تذكره إلا عندما يتعلّق الأمر بإلغاء الآخرين وتسفيههم…
ماذا يفعلون إذن؟
فهم لا يحضّرون العشاء، ولا يقرأون القصص…
لا أعرف ما رأيكم، لكنّي أعتقد أنّهم يجلسون قرب الهاتف منتظرين أن يتّصل بهم “المعلّم” (كائناً من كان)، ليباركهم قائلاً: أحسنتم الفعل، ولست ندماناً أبداً على إدخالكم في فرقتي، ولا على إعطائكم مفتاح مغارة اللصوص…

منطِق حِسابي



جمعوا وطرحوا، ثم ضربوا وقسموا… وهذا بيت القصيد: قسموا…
يصعب على المرء التصديق عندما يسمع أو يعرف ما هو المطروح على جداول مجلس الوزراء… وكأنّ البلد بألف خير، ولا حاجة بنا أو بهم بالأحرى لضبط الأمن، وتشجيع الإستثمار، وتقوية الصناعة، وإيجاد تصريف للأنتاج، وإشاعة أجواء الطمئنينة، وإراحة أهالي شهداء الجيش بإعطاء عقاب عادل لكلّ من سوّلته يده المسّ برمز وحدة الوطن…
انتهت عاصفة “فتح الإسلام” وإعصار اغتيال الشهيد عيدو لملموا ذيوله…
أخذ مجلس الوزراء قراراً بإلغاء العطلة الرسمية يوم الجمعة العظيمة، ونقلها إلى يوم الإثنين الذي كان ألغي سابقاً… والحجّة هي زيادة عدد أيّام العمل لزيادة الإنتاج!
بغضّ النظر عن معتقداتي وإيماني، لم أكن أعرف من قبل أنّ الناس يعملون في يوم الجمعة أكثر من الإثنين!
ثمّ عن أيّ إنتاج وأيّ عملٍ يتحدّثون؟
لوهلةٍ ظننت أنّ حاسوباً هو من اتخّذ القرار… لكن!
إن قلتم لي كوطنيّ أن أعمل ساعاتٍ إضافيّة لأسدّ عجز خزينتي, ولرفع مستوى لبنان فوق أعلى الأمم لفعلت… مع أنّي لست بحاجة لطلبكم في الأساس…
لكن، من يضمن أن يصل تعبي وتعب كلّ لبناني إلى الخزينة التي أفرغتها المزاريب… والتي لا تزال متمسّكةً بها علّها تحظى بالقرش الأخير في البلد الجائع…
يصعب عليّ تصديق كلّ هذه البراءة وأنا أعرف أنّ كلّ ما يحصل في بلدي له ثمن، وله أيضاً من يقبضه…
ماذا أرادوا من هذا القرار الظريف؟
أمقابلة مع البطريرك صفير؟ أبواب بكركي مفتوحة ولا حاجة لمواعيد…
أأرادوا أن يبيعوا البطريرك والمسيحيون من خلفه يوم “الجمعة العظيمة”! لا حاجة لذلك، فهو كان لهم أصلاً، وبكلّ الأحوال تعطّل عليه المدارس والمؤسسات المسيحيّة حتى ولو لم يكن عطلة رسميّة… (والمسيحيون في المدارس والمؤسسات غير المسيحيّة فليعتادوا على هذا الأمر أو ليعملوا في مناطقهم عندما يتمّ التقسيم معاذ الله)…
قد يكون الأمر مجرّد إثبات وجود… وأخذ القرارات فقط للذّة…
إنّي أضخّم كثيراً ههنا، قد يكون الأمر أبسط من ذلك بكثير… محاولة لإلهاء الناس بشيء لتمرير شيءٍ آخر… فأتمنى من قرّائي الأعزاء إطلاعي إن أمكن على كلّ ما اتخذ من قرارات على طاولة مجلس الوزراء يوم 16-6-2007 وشكراً.

رخيصة، لكنّها تخرب بيوت الناس



ما أرخصها رصاصةً تحطّ في قلب أحدنا، فتنهي في لحظةٍ كل الأحلام... بيوتٌ بأكملها، بشبابها وشيبها تخرّ أمام ألمها...
الجرح الذي تسببّه لا يلتئم أبداً...
هل فكّر يوماً من أطلقها البعد الذي يمكن أن تصل إليه قطعة الحديد الحارقة هذه؟
أم أنّ عطشه إلى الدماء يعمي عقله؟ هل إجرامه بكلّ بساطة هو السبب؟ هل الحقد الذي يغلي في أعماقه لا يعرف متنفسّاً وحلاً غير فوّهة البندقية؟
لا أعرف من ألوم اليوم... من اخترعها أم من صنعها؟ أم من أوصلها إلى أيدي المجرمين المجانين؟!
كلّنا سنموت هذا صحيح، لكن لماذا علينا أن نقتل بعضنا بعضاً...
في غمرة الحزن أفقد الكلمات وأدور حول نفسي، طبعاً دون أن أجد أيّ جواب...

اليوم أبت اللجنة المنظمّة ل"شهداء على مدّ الوطن" إلا أن تختار قريباً عزيزاً من بلدتي...
لا أعرف لماذا انتقته يتيماً فقيراً! ربما لترفعه إلى مصاف الشهادة!

كلّ ما يخطر في بالي الآن لا يكاد يتعدّى كلمتين بالعاميّة: "العترة عل الفقير"... آملاً من كلّ قلبي أن لا تكون "العترة على لبنان"...
قافلة شهداء الجيش اليوم.

الويل لأمّةٍ




الويل لأمةٍ شعبها كلّه مجرّد أرقام…
الويل لأمّة يسيل دم شبابها فتستمرّ بالتصفيق لمن هو السبب…
الويل لأمّةٍ حكّامها لعنة…
الويل لأمّةٍ خلاصها ليس منها وفيها…
الويل لأمّةٍ لا تريد أن تتعلّم من أخطاء الآخرين ولا من أخطائها…
الويل لأمّةٍ لا يتصرّف فيها من ليس في سدّة الحكم كأنّه حاكمٌ وأكثر…
الويل لأمّةٍ تبكي ولا تفعل أيّ شيءٍ قد يحميها من البكاء…

زحمة




زحمة؟!
من السبب؟
ما إن تختنق جهة من الأوتوستراد حتى يتفاعل فينا الذكاء، فننقضّ إلى الجهة الأخرى التي لم تكن يوماً من حقّنا… ما النتيجة؟
نعرّض القادمين من الجهة الأخرى كما أنفسنا للخطر… ثمّ، نعم لا تتعجّبوا، يُقفل السير من الجهتين…
متى سنتعلّم تخفيض مستوى ذكائنا عند الضرورة، فنفكّر قليلاً بالآخرين…
نعم، “الآخرين” الذين يمكن أن يكونوا “نحن” في المرّة القادمة…

وادي جهنّم





حتى اليوم لم تدُس رِجلٌ بشريّة الكثير من أجزائه… وادي جهنّم، إسمٌ مخيف حُمِّل أكثر من طاقته، وأبعد عنه الناس لسنين عديدة… فلو أنّ جهنّم تشبهه إلى حدٍ قليل، لَما قاوم الناس الخطيئة…
قد يكون المنظار الذي أقيّم به الجمال مختلفاً عن الآخرين، خصوصاً سكّان بلدة مشمش العكّارية الذين يعانون من صعوبة ووعورة طرقاته في كلّ يوم… فهو لهم الوادي العصيّ… أو وادي الجحيم… أمّا بالنسبة لأهالي عكّار الآخرين فجوابهم المشترك لزيارتي ذاك الوادي:” هل جننت لتذهب إلى ذاك المكان… ولو دفعوا لي لا أذهب… عن ماذا كنت تبحث هناك؟ الجمال؟ يوجد منه الكثير ههنا…”.
الهالة التي اكتسبها ارتبطت بأساطير قديمة، بأخبار تناقلها الأهالي وباحداث وُضِعت في سجلات الغرابة… فمن حارس الوادي الظاهر في الصورة أعلاه، إلى قصص اختفاء كثيرين ممّن حاولوا اقتحامه منذ القدم… حتى أصبح القول المشهور عنه: ما من أحد يدخله ونجد جثّته… إضافةً إلى قصص أعراسٍ أقيمت على جوانبه وقضى المحتفلون كلّهم… أضف إلى ذلك ما يسمع من أصواتٍ مخيفة في هدأة الليل، عويل حيواناتٍ وأصوات جيوشٍ تتصارع…
وادي جهنّم…
قد يكون الأكثر خضرةً في لبنان إن لم نقل في كلّ الشرق… الأغنى بالماء بوجود العدد الأكبر من الينابيع في مكانٍ واحد… فهو يستقطب ماء جبال عكّار والضنّية على السواء… وعند نهايته يتشكّل نهر البارد الشمالي…
قد يكون أيضاً الوادي الأعمق مع مئات الأمتار كدرجة عمقٍ وعلى خطٍ واحد… إضافةً إلى حائطٍ صخري ممتد على الجانبين…
كنت أمرّ من فوقه في كلّ زيارةٍ إلى محميّة القمّوعة، وكان يستوقفني في كلّ مرّة… كان يسرق عيناي ويشدّني بقميصي… فوعدته بأني سأزوره يوماً… لكن ليس قبل انتهاء الشتاء…
في يومٍ من نيسان، قلت لجدّي: هل تريد أن تذهب إلى مكانٍ لم تزره في حياتك؟… فلم يُجِب، صعد السيارة مع عصاه، وبدأنا في الصعود صوب الجرود…
غطّ جدّي في النوم طول الطريق، حتى أن سقوط السيارة في الحفر لم يوقظه أو يوقف شخيره… في منتصف المشوار هززته بيدي قائلاً: لم آتِ بك لتنام بل لترى، النوم للبيت يا جدّي… ففتح عيناه نصف فتحة وضحك ثم غطّ في النوم من جديد…
في بلدة مشمش سألت الكثيرين عن المفترق الذي يوصلنا إليه، وكان كلّ واحدٍ يدلّنا على طريق آخر إلى أن اهتدينا أخيراً… وبدأنا رحلة الهبوط على طريقٍ بالكاد اتسّعت للسيارة… حتى أنّي هممت بالنزول على قدمي بسبب الصعوبة في التقدّم… الطريق استحدثت جديداً لتصل بعض قرى الضنيّة المعزولة بقرى عكّار، لكن لا أعتقد أن من يسلكها يستعمل غير البغال…
اضطررت أن أوقف السيارة لأنّ التقدّم صار درجة إضافية فوق الجنون الحالي… بقي جدّي نائماً، فخرجت وسرت لساعتين في الوادي مذهولاً من كلّ هذا الجمال المخفي… ممجّداً الخالق لروعة ما خلق… لم أترك زاويةً إلا ودستها… وأخيراً سلّمت على حارس الوادي وقفلت عائداً إلى السيارة…
وجدت جدّي يسير في مكانٍ ليس بقريب من حيث تركته، مع عكّازه طبعاً… وكان ينظر حوله، ثم إلى فوق وهو مذهولٌ من درجة العمق كما من الجمال…
عندما عدنا، سألت أمّي: أين كنتم اليوم؟. فقال جدّي في وادي الجنّة… جنّة لبنان…

الأحد، أيار ٠٦، ٢٠٠٧

الحاجة أمُّ القرصنة




تطالعنا من وقتٍ لآخر شركات البرمجة العملاقة بطلباتٍ إلى بلدان معظمها في العالم الثالث: شدّدوا الإجراءات، فالقرصنة تفقدنا الكثير من الأرباح… لا شكّ أنّ القرصنة سرقة، كائناً ما كانت الصفات التي نحمّلها إيّاها من فكريّة إلى علمية…
القرص المضغوط الذي يصل إلى أيدينا بأبخس الأثمان، لم يأتي من لا شيء، بل هو نتاج عمل قد يستغرق سنوات…
الكلام في الهواء والطلبات المتكرّرة بإيقاف ذلك أمرٌ سهل… لكن ألا تخال هذه الشركات نفسها، هي التي تفوق ميزانياتها خزائن دولٍ كبرى، ولها من القدرة أقوى من أن تستطيع أقوى البلدان إيقافها أو محاسبتها، أنّها جزءٌ من هذه المشكلة؟…
في العديد من هذه البلدان المتّهمة لا يتجاوز الدخل الشهري للناس سعر قرصٍ مضغوطٍ واحد… ما الحلّ؟ القرص المنسوخ متوافر… أهلاً وسهلاً، نشتري الرخيص…
أليس باستطاعة هذه الشركات التي تجني المليارات من أن تجد حلاً لهؤلاء قبل اتهامهم بالسرقة (التي قاموا بها عن سابق تصوّر)…
الكثير من شركات الطباعة العالمية وجدت حلاً: طبع كتب تحمل وشم “الطبعة العالمية”… نوعية مختلفة من الورق، حبر مختلف، نوعية صور مختلفة، وزن أقلّ… وطبعاً سعر أقلّ. إن كان هذا الشكل لا يعجبك، تفضّل واشتري الآخر إن كنت قادراً على الدفع…
طالما أنّ القرصنة سائرة على قدمٍ وساق، وبما أنّ المال ستخسرونه لا محالة، لماذا لا تتحرّكون بصورةٍ مختلفة، فتبدأوا من ربحٍ قليل، يصبح كثيراً عندما تستقطبون عدداً أكبر من الزبائن…
أعتقد بأنّ واحداً من الحلول المعقولة لكم، تكون بالسيطرة على صناعة الأقراص الجاهزة للنسخ، ورفع أسعارها بشكلٍ معقول، فتتكافأ حينها الأرباح بينكم وبين الجمهور… فيصبح حينها النسخ حلال، لا خطيئةً يحاسب عليها الله…

حوار الدموع




ما إن انتهيا من تناول الغذاء، ركبا السيارة سويّاً واتجها صوب الجبال…
قالت المرأة: إلى أين تأخذني اليوم؟
فقال: إلى مكانٍ جلست فيه كلّ يومٍ منذ صغري… هناك حلمت بك قبل أن أعرفك يا زوجتي العزيزة…
قبَّلتهُ بعيونها، في حين كانت المناظر الخلابة تفرض الصمت كي لا يضيّع اللسان تركيز العيون…
استمرّت السيارة بالصعود وكانت الطريق تزداد وعورةً…
قال لها: الحمدلله أنّ الطريق صعبة…
قالت: لماذا؟
قال: لو كانت جيّدة لما بقي لنا شجرة واحدة… نأمل أن تبقى الدولة غافلة عنّا…
قالت: لا تحمل همّاً… لن تذكرنا يوماً… مئة طلب مثل هذا الطلب…
فحجبت القهقهات بعضٌ من مظاهر الإكتئاب… ثم ساد الصمت من جديد…
ركنا سيّارتهما على جانب الطريق، ترجّلا ثمّ توجّها نزولاً صوب الوادي… لفحت وجهيهما الرياح الباردة، كما تبلّلت ثيابهما بسبب الغيوم التي يهنأ لها الارتياح على السفوح…
وصلا إلى الصخرة التي اعتاد الجلوس عليها والنظر إلى البعيد… إلى موقع يجبر كلّ بَشَريّ على النظر حتى وإن كان أعمىً…
ساد صمتٌ عميق لم يعكّره إلا حفيف بعض الأغصان، وصَفير الرياح في الوادي… وبدأت الدموع بالإنهمار… من عينيه أوّلاً، حتى أنّ الزوجة خالت حبّات المطر تتساقط على وجهه… وفي ثوانٍ انهمر المطر من عيونها أيضا… عانقها بشدّة… وبدأ حِوارُ قطراتِ الروح…
هل سنرى هذه الأرض من جديد؟
هل سترانا هي مرّة أخرى؟
كم سنشتاق لها؟! هل ستشتاق لنا؟
هل سنبقى نحن لتبقى هي؟ هل ستبقى هي ونحن مشتّتين؟!
ما إن لامست الدموع الأرض، حتى تكلّمت الأخيرة قائلةً: لا تخافوا ولا تحزننّ أرواحكم… كنت حُلُماً ولا أزال… ولن أموت ما دام على سطح هذه البسيطة من يحبّني، لأنّي لبنان ولأنّكم كذلك…

قصّتنا مع ضوء البلديّة



كنّا نملك ديكاً ذاع صيته في كلّ القرية، فصيحته كانت المنبّه الذي يوقظ كلّ المزارعين… ما إن تلوح الزُرقة من خلف الجبال، حتى يقف منتصباً على أقوام القش ويبدأ بالصراخ: استيقظوا، ها الصباح قد أتى، والنهار ليس للكسالى… قوموا إلى العمل…
كانت ساعتنا طبيعيّة، تتأقلم معنا، وتعرف فصولنا… حتّى أنها كانت تزيد ساعة وتنقص أخرى في نيسان وتشرين…
بما أنّ بلدتنا صغيرة، فقد حُرِمت من بلديّةٍ تهتمّ بتنسيق أمورها… وكان أيّ عمل يقوم على وساطة واحدٍ من الوجهاء، الذي يستخدم كونه “مفتاحاً” ليقنع القيادات بالتحنّن علينا… في يومٍ من الأيّام رأى أحدهم أنّ القرية مقفرة في الليل، وأنّه لا بدّ من إنارتها… وكان ما كان، فوُضعت المنارات على كلّ الأعمدة، وبسحر ساحر صار “القمر جارنا” لا بل الأقمار والكواكب… فرح الناس وقالوا: ليُنِر الله درب الذي أنار دروبنا…
أطال الأهالي سهرتهم في اليوم الأوّل، فساروا في دروب القرية ذهاباً وإياباً مرّاتٍ عديدة إلى أن غلبهم النعاس… دخلوا غرفهم وبدأت عيونهم بالرقاد… وما إن فعلوا حتى بدأ ديكنا بالصياح… ” استيقظوا، ها الصباح قد أتى، والنهار ليس للكسالى… قوموا إلى العمل…”. قالوا سيهدأ بعد قليل، وضعوا الوسادات فوق رؤوسهم… لم ينفع شيء… الوقت يمرّ والديك يستمرّ بالصراخ، لا بل يزيد أكثر فأكثر… لم يخطر ببال أحدهم يوماً كيف يمكن لطائر صغير أن يصدر صوتاً أزعج من بوق سيارة!
لم ينم الكثيرون طوال الليل… وفي اليوم التالي جاءتنا الشكاوى… “إنّ ديككم مزعجٌ جدّاً… أرجوكم جِدوا له حلاً”…
تفقّدناه، فوجدناه منهكاً هامداً في زاوية البستان… بالكاد تحرّك لمّا اقتربنا منه… عيناه حمراوتين… قلنا: المسكين لم يعتد بعد على الضوء في الليل…
زرناه بعد الظهر، ولم يكن قد أكل من طعامه شيئاً…
جاءت ليلةٌ أخرى، وما إن انتصف الليل وخفّت حركة الناس، بدأ الصياح: “استيقظوا، ها الصباح قد أتى، والنهار ليس للكسالى… قوموا إلى العمل”. بقي يصرخ حتى الصباح، ولم ينم كثيرون…
كلّ النهار التالي قضاه هامداً تحت شجرة الليمون… أنهكته حنجرته وخلاياه الدماغية التي برمجته على ما يفعل… لم يأكل شيئاً… قبضنا عليه بكلّ سهولة، وضعناه في قفص وغطّيناه كي لا يرى النور… وفي اليوم التالي وجدناه جثة هامدة…
حزنت كثيراً… وغضبت أكثر… حتى أنّي لعَنتُ الكهرباء وأضواء “البلديّة”… ومن حينها لم تضء هذه الأنوار… ولم تعد الكهرباء تزور قريتنا… مَن يدري، قد أكون أنا وديكي السبب، وليس الحكومة…
بكلّ الأحوال، لست حزيناً لانقطاع التيّار، فعلى الأقل صرت أستطيع رؤية النجوم من جديد… وموت الديك تساقط نِعماً على هذه الطيور، فمِن حينها والناس في قريتي يمتنعون عن أكل الدجاج، طبعاً لأنّ من هذا القنّ خرج شهيد، ضحّى بنفسه فداءً عن مبدأ “الصياح على الساعة”…

الإستقلال الزائف


وطني يا أجمل كلمةٍ تُلفظ، يا معنىً لا تسعه البحارَ
أنت لنا بالشكل ويحتلّك الغير، فيُعمي الأخيار والأبصارَ
يضغط على الناس ليفرض سياسته، وليعرف كلّ الأسرارَ
يقيم العراقيل ويقلب القيم، إذ جاء للمساعدة فأشاع الدمارَ
يقطع الألسنة الحرّةَ، ويحتجزها في مزّةٍ مرعبةٍ تسحق الأعمارَ
أعاث بالأرض فساداً، وعلّم الناس العيب فسانده الأشرارَ
فكانوا كمن من قبلهم احتلّوه، وزرعوا بيننا مبادئهم استعمارَ
نتغنّى بالإستقلال والأجنبي بيننا، وإنّ في ذلك على الجميع عارَ
تفرحون وتغطبتون، لكن أروني إيّاه وعلى أرضي المقدّسة كلّ يومٍ غارة
أنا لا أؤَمِن الحكّام على القليل، فكيف على شيءٍ مقدّسٍ يملؤنه قذارة
باعوا قيمهم من أجل القليل، ثمّ قتلونا بأيديهم الغدّارة
يوهموننا بالإستقلال والحريّة، بينما لا يستطيعون الأكل بدون مشورة الجارة
يمصّون دم الناس ليدفعوا للغير، إذ وصلوا إلى مركزهم بلا جدارة
أثاروا الحرب الأهلية، فتركوا في قلب كلّ أمٍ حنونٍ أقسى المرارة
هم ارتاحوا وتهنّوا في بيوتهم، ونسوا أنّهم وضعوا في كومة القش شرارة
ولم يتضرّروا، بل زاد مالهم وطفحت ثرواتهم بالأقذارَ
هم سيطروا على كلّ شيءٍ، لنكون لهم خدّاماً وهم في الصدارة!

كتبتها لتُلقى في عيد الإستقلال عندما كنت في الثالثة عشرة… لكن لم يقرأها إلا أبي، وفهمكم كفاية…

ما كتبته أمّي يوم وُلِدت



من ضحكة عينيك أتنشّق سعادتي في كلّ دقيقة… وأرى فيهما كلّ الأيّام لون حبّي لأبيك…
حبّي الذي صرت التاج في ملكه ، فزيّنت العرش بالجمال والرقّة…
عرشي الذي تقوّى بوجودك لأنّه حاز على رضى اللّه…
نعم! وجودك في ضحكك وصراخك الذي ملأ عليّ الدنيا… فصرت المعنى لوجودي وهنائي…
وكما حلمت بك قبل الولادة، بدأت أحلم منذ اللحظة بشفاهك وهي تقبّل وجنتاي… وأحلم بصوتك وأنت تقول: أحبّك يا أمّي…

كهرباء للتوتير




أكاد لا أذكر يوماً مذ وُلدت لم تنقطع فيه الكهرباء… وكلمة تقنين كجزءٍ من مائدتنا اليوميّة…
قد تتوتّر أعصاب البعض لأن فيلماً فاتهم، أو لأنّهم يكرهون الظلمة…
لكن ماذا يفعل من يدقّ الإمتحان بابه؟
هل تكفي الشموع ونورها الخافت الباهت؟ أم أنّ علينا أن نهرق الدموع، فقط لأنّنا لبنانيين، ولأنّنا ابتلينا بحكومات لا ترى أبعد من بيروت الإداريّة!

شريعة أخرى تتجاذبني


من أين لنا الحريّة الكاملة؟ فردّات فعلنا تخرج عن رقابتنا، وعواطفنا لا تنصاع لنا…
نحن في الغالب سجناء عاداتنا… إذ أنّ لماضينا من الثقل ما يرهق حاضرنا، كما أنّ لحاضرنا ثقلاً لا بدّ من أن يضني غدنا…
نحن نضحك ساعة نعرف أنّ علينا أن نبكي، ونأكل كثيراً مع أنّ ذلك يؤذينا… نتكتم ونغضب ساعة نعلم أنّ التعبير عن الأمور بهدوء هو النهج الأسلم… وبناءً عليه نقرّ مع بولس الرسول حين قال: ” الصلاح الذي أريده لا أعمله، والشرّ الذي لا أريده إيّاه أعمل”…
من كتاب رحلة في فصول الحياة.

الخميس، آذار ٠١، ٢٠٠٧

هل ستبقى الجمهوريّة؟



ما من شكٍّ أن الهاجس الذي يتملّك عقول اللبنانيين هو المستقبل الغامض… فيقضون الليل ناظرين إلى الخارج، علّهم ينجون بأنفسهم عندما يقرّر الكبار الأجانب عن الصغار المتحكّمين بمصيرهم…
ليس صحيحاً أنّهم شعبٌ يعشق السلاح، ويهوى القتل… لكن ماذا تنتظرون من شخصٍ صُوِّرَ له بأن العدو (اللبناني الآخر!) سيأتي ليقتله تحت جنح الظلام؟ لماذا؟ لأنّه سنّي أو شيعي أو درزي أو مسيحي، أو تابع لفلان من الزعماء، أو حتى لمجرّد تعبيره عن رأيه…
ما السبب؟ تابعاً للسلطة كان أم للمعارضة، السبب هو عدم الإيمان بالدولة وبقدرتها على حمايته وتأمين حقوقه…
الأعتماد على النفس لحماية النفس قديمةٌ قدم البشرية… لكن في القِدَم كانت “بريئة” مندرجة في إطار الصراع على البقاء، أمّا اليوم فهناك من يستغلّها حتى آخر نقطة… فهي انتقلت إلى مرتبة إلغاء الآخرين أو إجبارهم على الإذعان، تنفيذاً لمآرب المحرّض الذي لا أصل له ولا فصل…
السلاح ليس للتخويف والترهيب، فما من أحدٍ يشتري سكّيناً ليضعه على الرفّ بل ليقطع به… ومن ليس في عقله نيّة استعماله ولو واحد في المئة، لما اشتراه أصلاً… لذلك، إنّ موجات التسلّح التي تمرّ أصداؤها مرور الكرام على القنوات الإخبارية، حتى عبر المطار! حيث لا يستطيع واحدنا أن يمرّر حبّة زيتون؟!
كنت لأتمنّى لو أنّ الناس تنزل إلى الشارع وتتظاهر ضدّ التسلّح وحمل السلاح، لا بل وتساعد الجيش في توقيف من يحمل أو يبيع هذا السلاح!
كنت لأحلم في اليوم الذي سيصدر زعماؤنا الصغار أوامرهم برفع السلاح ضدّ الآخرين، فلا تجد كلماتهم آذاناً صاغية!
لكنّ الأحلام تبقى أحلاماً، والحقيقة ما زلنا نبحث عنها… بينما هي واضحة للعيان ونحن نرفض تقبّلها…
طبعاً فبقاء المزارع أهم من بقاء الدولة… لكن يجب أن نعرف أن هذه المزارع لا تنتج كلّ شيء… فسيكون علينا أن نعيش بدون اللبن، أو بدون العسل، أو بدون مياه… وقد يكون علينا أن نحصل على تأشيرة دخول لزيارة الجنوب أو الشمال أو حتى بيروت…
أعرف أنّكم ستختارون المزارع، فهناك يمكنكم عبادة آلهتكم الصغار الفانين الآنيين، المتجدّدين دوماً على قواعد حبّكم للعبودية والخنوع… وانتظار الآخرين ليقوموا بالتغيير عنكم…
عبثاً ولاؤكم بالدم لمن يبيعكم بقشرة بصل، ويتزحلق على وتر الرياح الإقليميّة والدوليّة، العاتية محض صدفة هذه الأيّام…
متى سيكون ولاؤكم بالدم لمن يستحقّه؟ لبنان!
متى ستكونون حرّاساً للجمهورية التي يتوه في كلّ يومٍ آلافٌ من أبنائها… وتضيع هويّتها يوماً بعد يوم…
استفيقوا من الحالة النفسية والتهوّر التي تقودكم إليها الغرائز التافهة…
استفيقوا ليبقى لبنان…

أحبّك يا أرضي




في الصباح أقوم فأذري حفنةً من ترابك في الهواء… وأتنشّق عبيرك…
في الظهيرة أتفيّأ في ظلال أشجارك… وأتغذى هواءك…
عند الغروب أسدل رجليّ على تلالك… وأقبّل شمسك…
وعند المساء أمدّد جسدي على جسدك… فأتّحد بكيانك…
نعم! هكذا في كلّ يومٍ أجبلك بعرق جبيني، فتكبري وتزهري وتثمري…

مدرسة على اسم جبران




قررت السلطات الاميركية في مدينة نيويورك انشاء مدرسة رسمية في حي بروكلين لتعليم اللغة العربية. وهذه المدرسة، هي اول معهد تعليمي رسمي من نوعه في الولايات المتحدة.
وسيطلق على المدرسة اسم (اكاديمية جبران خليل جبران)، وسيتم افتتاحها في ايلول المقبل وتعطي دروسا للمرحلتين الابتدائية والثانوية.
وسيتلقى المعهد تبرعات من مؤسسة بيل غايتس صاحب شركة ميكروسوفت وزوجته.”

هم يبنون المدارس على اسم كتّابنا وشعرائنا، ونحن نسينا أبسط ما كتبوه أو حلمت به أقلامهم… كأنّ الويل لأمّةٍ التي كتبها جبراننا كانت لهم… هم تعلّموا من أخطائنا، أمّا نحن فلا نبني المدارس لنعلّم غير ثقافة الإنقسام والحقد والأنتقام… نحن لا نريد أن نتعلّم أصلاً…

رسالة الدم




رنّ هاتفه في نصف الليل، فسمع صوتاً قاسياً ألِفه… قال كلمة واحدة: ضعها… ثم أقفل الخط…
تصبّب جسمه بالعرق… ثم ما لبث أن قام ملهوفاً راكضاً صوب غرفة أولاده… عدّهم واحداً واحداً… كلّهم ينامون بسلام… فعاد وتذكّر أنّ الحقيبة لا تزال معه… لكن من يعلم؟! قد يكون هناك الكثير منها مع أشخاصٍ قد يعرفهم أو أنّه لم يرهم يوماً… تاه نظره قليلاً وراح يفكّر كيف أنّ هذه الأيّام شرّيرة! كيف له أن يصون أبناءه؟! ثم قال في نفسه: على الأقل لن يكونوا بين قتلى الغد! سأقفل عليهم الباب… وما سيحصل ليكن من أجل القضيّة…
القضيّة! ضحك في سرّه بسخرية… أيّة قضيّة؟ إنّه صراعٌ على السلطة! وما دخلي أنا؟! أريد أن أعيش، فالحد الأدنى لا يكفينا لشراء الخبز! ثم أنّي لا أستطيع رفض الأوامر أو أموت أنا!
لم ينم طول الليل كي لا يوقظ أحدهم عندما تحين الساعة… عدّ أولاده من جديد… ثم أقفل الباب… وكان ما كان…
أجسادٌ ممزّقة، محترقة… أنينٌ وألم… بكاء… وصلت الرسالة… لكن لمن؟ّ!
القوى الأمنيّة؟! أهي قوىً أصلاً وعلى ماذا تقوى؟ كلّ ما تنشط في فعله هو في تحليل النتائج، وفحص الحفر وآثار الجرائم… والنتيجة واحدة، يهمس أحد العسكريين لقائده: كالتي سبقتها! فيهزّ القائد رأسه برصانة وجبينٍ مقطوب… “الرسالة لا تعنيها، فالأمن مستتب داخل الثكنات”…
رجال السياسة؟! ما هذا الزمن؟ كلّما زادت عدد القبور، زادت أعداد فرق الدبكة! فلمن لم يلاحظ، لم يذكر في تعليق أحدهم أنّ ما حدث هو بسبب خلافاتهم، بل بسبب الآخر الذي لا يرضى بالحل!
الجريمة الأقبح… أستنكر بشدّة… لن نقبل بأن يستمرّ المسلسل… هذا مرفوض… السلم خطّ أحمر… وأد الفتنة… الفتنة هي الهدف…
بحثوا في عقولهم في محاولةٍ لمعرفة المجرم… فراحوا يعدّون الجرحى وهويّاتهم، أصحاب السيارات… المنطقة، الإنتماء… الدين… نعم الدين الذي لا يرحم… فوجدوا بين الجرحى والقتلى مؤيّدين لهم، لكن أيضاً مؤيّدين لخصومهم… جمعوا الأعداد وطرحوها، فوجدوا أنّ خسائرهم وخسائر خصومهم متساوية، فحلّوا ربطات أعناقهم وعادوا من حيث أتوا… هم ليسوا معنيين… الرسالة ليست لهم… إنّها يد الإجرام ونقطة على السطر… والعزاء كلّ العزاء لأهل القتلى والجرحى…
رسالة للدول الكبرى والتي تريد أن تصبح كبرى! في المتن الشمالي؟! مستحيل، رغم المعنى الرمزي للمكان! عين علق… “نبع علّق”… وكلّ هؤلاء هدفهم ضرب العين كي لا نعلق، فيبقى هذا البلد لا معلّق ولا مطلّق…
أمّا من يدفع الثمن، والمعنيّ الأوّل والأخير بهذه الرسالة هو الأخ المواطن… هي تلك العائلات المسكينة التي استفاقت في الصباح لتشرب قهوتها، فكانت فناجينها مملؤة بالسمّ والدموع…
الرسالة تقول: لا تتفاءلوا كثيراً! يوم سعدي هو عندما لا ترتسم ضحكة على وجوهكم، ولا يظهر الأمل في عيونكم!
رسالتك وصلت، ويشرّفني أن أرسل لك الجواب: ضحكتنا ستبقى كابوسك اليومي، وأملنا كان ولا يزال لأنّنا نؤمن بوطنٍ أزلي اسمه لبنان…

حرب السارقََِيْن


اجتمعوا في الخفاء، رسموا الخطة والطريق… تواعدوا على الكتمان، فلم يعرف إنسانٌ واحدٌ بما هم مزمعون على فعله… لم يكن ليتصوّر مخلوقٌ بشري مدى خبثهم… ففي حين كان البشر يحتضرون، آخر ما كان ينقصهم أن يسرق أحدهم ما تبقى لهم للحياة بعزّة…
وكالعادة المريرة، نجى كلّ منهم بفعلته، لأنّ الشعب البسيط لم يعتقد يوماً أنّ الخيانة قد تكون من أهل البيت… ولأن القوانين في الغاب مفقودة، لم يسلك الأبطال زواريباً لنقل كنوزنا، بل جالوا علناً…
مصيبة الإنسان، أنّه لا يعرف قيمة الشيء إلا عندما يفقده… وما سرقه هؤلاء، كان أمام ناظرنا في كلّ يوم ولم نعرف به…
سرقوا جنى أجدادنا، وباعوه ما وراء الحدود بأبخس الأثمان… لمن؟! نعم، ويا للأسف لسارقين آخرين، باعوه بدورهم لمن علّمهم ذلك…
عاد السارقون حاملون غلاتنا في جيوبهم، وراحوا يطعموننا بما فاض منها، فتبعناهم ووثقنا بهم كالكلاب الوفيّة… حتى من علم منّا بما فعلوه، غضّ النظر فداءً للمصلحة الشخصية، أو خوفاً من موتٍ…
ولا عيب في أن يحكم من له المال… فكما قال أحد حكماء قريتي (القابع اليوم في السجن بتهمة اختلاس المخابرات!هل يصدّق أحدكم كيف أنّ رجلاً سرق المخابرات في عزّ جبروتها؟): في البداية الشهرة، ثم المال… وعندما يكون لك الإثنان، لا يبقى أمامك إلا السلطة.. وهكذا فعل أبطالنا…
لكن ما إن تمركزوا في مواقعهم، عرفوا أنّهم نسوا بعض الأشياء في الغارة الماضية… طبعاً، فقد بقي لنا سمك البحر، وحجارة الجبال، والهواء… يا للهول! لقد سقط سهواً من أمام أيديهم الكثير…

وكالعادة، الشعب المتعلّق بالقشور، الذي يتباهى بالتمدّن لم يخرج من العشائرية والتبعيّة…
التفاهة هي بسببنا، فلا أحد يجبر أيّاً كان أن يكون بلا معنى أو حتى بلا عزّة نفس، إن لم نقل بلا تفكير… هناك الكثير من غير المتعلّمين في العالم، لكنّهم ليسوا بالضرورة بلا كرامة، يتذلّلون أمام سارق ويعظّمونه في وجهه، بينما يطلقون السباب عليه في غرف نومهم… وما إن تأتي ما يسمّونها إنتخابات، يسكبون بصوتهم الحنون في الصناديق، فيغنّي كلّ الناجحين أغاني العفّة والطهارة، ويطبعون على جبينهم عدد الأغبياء الذين انتخبوهم…
ويا سعدُه الذي يجد اسمه على رأس سيّده القديم المتجدّد… طبعاً يا سعدُه، فانتفاخه الفارغ لن يسمح له برؤية كلمة غبي بقرب اسمه…

مثال الديمقراطية! أكيد! فنحن أحرار في أن ننتخب الذي نريد من بين الأربعين حرامي!
المهم أن تبقى المغارة… وللعلم والخبر “افتح يا سمسم” ليس مفتاحها…

لبنان مثال الحياة الحلوة… الأمن، السلام!
انخدع أبو الكذّابين لوهلةٍ، واعتقد أنّ أبناءه بدأوا يحيدون عن الدرب “القويم”، إذ وصلت إلى مسامعه أنّهم يدفعون لبناء الكنائس والمساجد… بينما هم فعلوا ذلك فقط أملاً بكسب رضىً كاذب للقيّمين الموتى عليها… لعب الوسواس برأسه… طبعاً فقيام مؤمنٍ حقيقي واحد في أحدها يزعجه… وهو يفضّل أن يحرق بلداً باكمله وقائياً، من أن يرى بذرة ممكن أن تزهر في يومٍ من الأيّام… وأيضاً لماذا لا يتلّذذ يوماً بكلّ المال الذي لطالما نصح أولاده بنهبه…
كيف يدخل إلى المغارة؟ سهلٌ جدّاً… قتل واحداً من السارقين، سرق المفتاح… ودخل… بكلّ بساطة…
هنا تساءل السارقون ماذا يفعل الوالد عندهم، وكيف دخل… فقال وهو ينظر إلى قسمٍ منهم: لماذا قتلتم أخاكم؟! فانقضّ الإخوة الأفاضل على بعضهم، نهشاً وتجريحاً وسباباًً… طبعاً، الأجواء بينهم مشحونة على الدوام… من سرق أكثر؟ من تعب أكثر وهو يسرق؟ من ذاق الأمرّين وهو يسرق؟ من حصّته أكبر؟ من يستحقّ حصّته ومن لا يستحقها؟…
أمّا هو فكان جالساً بفرح على الصناديق… وما كان منه إلا أن قام وفتحها على غفلةٍ منهم، فوجدها كلّها فارغة!
جنّ جنونه، فأمسك بعنق أحد أبنائه قائلاً: أين المال! الآن قل لي! أين المال؟
فردّ ابنه قائلاً: قدّمناه هدايا للجار!
قال الأب بغضب: لماذا؟!
ردّ الأبن بحرقة: كي نكون بالسرقة أحرار…
فقال الأب: وكيف تعيشون هنا؟! بأيّ مال؟
قال: إستدنّا أربعون مليار!
فقال أبو الكذابين بغضبٍ وشرّ: أفنوا بعضكم… لا أريد أن أسمع بسلامٍ في هذا البلد بعد الآن… أنا ذاهبٌ لأتبنّى بشّار…

هل تعتقدون أنّ السارقين هم الذين ماتوا؟!
أخطأتم كالعادة!
الذي مات ويموت هو شعبي، لأنّه يرزح تحت حملٍ ثقيل… نعم، على ظهره يركب أربعون حمار…

بين دموعهما ودموعها


أنا لا تسعني هذه الدنيا الصغيرة… حدودها ولغاتها في عينيّ سطور ماء… أمّا وطني، فليس إلا المكان الذي أسند فيه رأسي وأنام في سلام…
كلماتٍ نطقت بها عصفورتنا الصغيرة، ولم تنفك تكرّرها كلّما كانت تشتدّ رحى الحرب البغيضة…
كنّا نصحو كلّ يوم على صوت زقزقتها، فننسى نعيق البوم الذي كان يملأ الليالي بالسوداويّة والمصير الضائع…
لم نفهم بادئ الأمر، لكنّ الأيّام ما لبثت أن برهنت نواياها وفضحت هواجسها… البوم لم يكن يخيفنا وحدنا، هي أيضاً كانت ترتعد فرائصها كلّما سمعته…
حارس سجنها الكهل لان قلبه لرؤية دموعها… لا بل دمعت عيناه لمّا قالت له زوجته أنّها سمعتها تصلّي كلّ ليلةٍ، علّ الله يحدث زلزلةً فتنفتح الأبواب… ففتح الباب بيديه الضخمتين…
طارت العصفورة التي صارت كبيرة… دموعها ملأت عينيها لأنّها فقدت السقف ونالت الحرية… وانهمرت من عينيها عندما رأت دموع الرجل وامرأته وهما يقولان: لا تذهبي بعيداً يا حبيبتنا… نحن لم نكن أبداً سجّاناكِ، بل أمّك وأباك…

المناعة


إنّ الثقة بالنفس هي مَن تُكسب المرء مناعةً من الضغط الجماهيري، فلا يعود يخشى السباحة عكس التيار…
قال Fritz Perls : “أنا ما أتيت إلى هذا العالم لأعيش بحسب تطلّعاتك انت، ولا أنت أتيت لتعيش بحسب توقعاتي أنا”…
أنا أرفض أن أصرف جهداً في التأسّف على حالٍ أتمنّى لو كنت فيها. أنا فرحٌ بالحياة كما هي، وأعتنقها في واقعها، ولا أضيع الوقت بالبكاء على ما ضاع…
من كتاب رحلة في فصول الحياة

مسرح أم حقيقة


قال روبرت فروست: “حذار أن تبني حائطاً من حولك، قبل أن تعرف ما ستبقيه في الداخل وما ستطرحه إلى الخارج”.
بقدر ما نحسّ بالقلق، ونعي عقدة الذنب ومركّب النقص فينا، ننشط في ارتداء الأقنعة… هذه الأقنعة التي نرتدي وتلك السياجات التي نبنيها حولنا تشكّل طرق دفاع، لا ننفك نستعملها طالما أنّنا في وضعية الذي أعتُدِيَ أو سيعتدى عليه…
قد تبدو الحياة خلف الأقنعة أقلّ خطراً، لكنّها تبقى في الوقت نفسه مليئة بالوحدة… فنقضي ونحن جائعون إلى علاقة… وأعمق ما في تعاسة القناع أنّنا ننقطع عن كلّ ما هو حقيقيّ في هذا العالم… فنعيش وكأنّنا على خشبة مسرحٍ عندما يُسدل ستاره في النهاية، نجد أنفسنا حيث كنّا… أشخاصاً يفتقرون إلى النضج…
من كتاب رحلة في فصول الحياة

الجمعة، كانون الثاني ٢٦، ٢٠٠٧

الوهمي والحقيقي


يا للعجب! الناس تتراكض في الشوارع خلف مجهول، كان من المفترض أنّ عناصر الأمن هي التي تلاحقه كي يصبح معلوماً… لقد ذهب إلى اليمين، إلى الشمال… إنّه العدو الذي جاء ليغتصب أراضينا… لا تنفكّ الرسائل القصيرة ترنّ في الهواتف النقّالة… كأن من يدير الحملة جالسٌ في قمرٍ صناعي، ويزوّد الكلّ بالمعلومات… لا شكّ في أنّه يحبّنا كثيراً، لدرجة أن يرمي بنا في أتون النار…
طبعاً، لا يمكن أن تمرّ الأمور دون زرع أراضينا بالزجاج المكسور، وريّها بالدماء… كما لا يمكن بأن نترك الهواء بحاله، بل نملأه بذبذبات سبابنا علّه يزداد حلاوة…
المشهد لا يختلف كثيراً عن حلبات القتال، حيث يتصارع المساجين حتى آخر رمق… الشوارع صارت ساحة، وعلى الموجودين إرضاء الأمبراطور… إنّ معركتهم والمعركة التي نقوم بها اليوم، هي صراعٌ للبقاء… لكن أين؟! السجين يبقى سجيناً حتى ولو كلّلوا رأسه بأكاليل الغار… والسجين لا يسلم كما لن نسلم نحن، لأنّ من ينجو أمامه معركةٌ قادمة وقد تكون الأخيرة إن لم يحالفه الحظ…
هذا ليس بجديد على الإنسانية، فمنذ آلاف السنين حُرِّم القتل، ومُجِّدَ القتلة باعتبارهم أبطالاً… والجمهور يعشق رؤية الدماء، تماماً كالثيران التي تهتاج لرؤية اللون الأحمر… فتتراكض لاهثةً لقتل من بقي حيّاً…
اقتله… اقتله… اقتله… هذا كلّ ما نسمع… فينسى واحدنا أنّه من الممكن أن يكون مكان الذي يتعرّض للقتل، وأن سكّين جلادٍ ما ستطال رقبته يوماً…

لو عرف واحدنا أنّ انفعاله سيوصله إلى الموت لما انفعل… ولو عرف واحدنا أنّ لسانه قد يقتله لقطع لسانه… لكن هذه هي حالنا… لساننا أسرع من تفكيرنا، وهنا المعادلة مقلوبة إذ أنّ الصوت أسرع من وميض الأفكار في عقولنا (إن بقي في رؤوسنا عقول)…
من يرانا نتقاتل، قال ويقول: هل يعقل؟! لا، لا يمكن! لم تكن الحرب الأهلية منذ زمنٍ بعيد، هل نسوا سريعاً أنّها دمّرت كلّ شيء، ولم يستفد منها أحدٌ بشيء… آه لو يصحّ المثل: الحمار يصدم الحائط مرّة واحدة… وللتوضيح، هذا مثلٌ لبنانيّ مئة في المئة، وقد أوجده أجدادنا فقط كي يفهم حميرهم أنهم كباراً كانوا أم صغار، يحقّ لهم الإرتطام بالحائط لمرّة واحدة…

عبثاً الركض خلف هذا العدو الوهمي، فلن ينتهي التقاتل إلا عندما نقاتل لأجل لبنان… ماذا سمعتم؟ نعم، لبنان… وعدوّنا الحقيقي هو كلّ أناني… هو كلّ من يريد إحراق وطن ليولّع لفافة تبغه… هو كلّ من يريد الفساد والإفساد…
ألا يكفينا كم “يحبّنا” جيراننا؟!
ألا تكفينا ديون دولتنا حتى نكّسر وندمّر؟! هل تعتقدون أنّ هذه الديون ستدفعها طائفة أم كلّ واحدٍ منّا، بمن فيهم من كسّر؟
ليس لنا بعد الله من يحمينا إلا العدل! ولا أحد سيفنينا بعد الشيطان إلا الكراسي!
فاتّقوا الله واعدلوا… ولوأد الفتنة صوموا وصلّوا و… حطّموا شاشات تلفازكم…

الجمعة، كانون الثاني ١٩، ٢٠٠٧

بعض النوادر


يخال المرء في كثيرٍ من الأحيان أنّ حياة الأطباء مملّة، مليئة بالرتابة والرسميّات… أو أنّ علاقتنا مع المرضى أو مع المجتمع هي كعلاقة الظابط مع الجنود في ثكنته (التي ليست سيئة بالضرورة)… إذ أنّ الجميع ينسى أنّ الطبيب كائنٌ بشري، له هفواته وأخطاؤه كما نوادره المضحكة…
سأروي البعض منها الآن، لكنّي سأحتفظ بالمزيد لحلقاتٍ قادمة…
في يومٍ طلب أحد الزملاء إلى آخر كان يعمل يوم الأحد، في المستشفى الواقعة ليس بعيداً عن البحر، ألا يصف الكثير من الدواء المسهّل لمرضاه، لأنّه ذاهبٌ ليسبح ولا يريد أن يبرد كلّما ألقي الماء في المراحيض…
في مرّةٍ أخرى، صعد أحد الزملاء منهكاً جائعاً في منتصف ليلة عمله، فوصل إلى غرفة الطبيب المقيم ليجد بعض الجبنة واللحوم المجففة في البراد، فأكلهم بلا وعي… بعد ساعة نُقل على عجل إلى غرفة الطوارئ بسبب وجعٍ في بطنه إضافةً إلى إسهالٍ حاد… لما تحسّنت حالته اتصل برفيقه في الغرفة قائلاً: هل اللحمة والجبنة في البراد لك؟ فقال له الأخير: لا، إنّهم لقطّتي سوسي… فقال الأوّل: ومن أين أحضرتهم لها؟ فقال: جمّعتهم من عند المرضى إذ أنّهم لم يأكلوهم، لكن لماذا تتصل بي في نصف الليل لتسألني؟ فقال: فقط لأعتذر من قطّتك لأنّي أكلتهم…
في إحدى المرّات سألت المرأة أحد الزملاء عن سبب مرضها، فقال: لنقل أنّك سيارة يا “مدام”… إن محرّكك بحاجة إلى بعض الصيانة، وهذا كلّ شيء… فانزعجت المريضة من هذا التشبيه… بعد ساعة، زارها رئيس القسم، فسألته مستفسرةً عن حالتها إذ أنّها لم تقتنع من الجواب الأوّل، فأجابها: “ما في شي… بدّك شويّة حدادة وبويا”… فهربت المريضة لأنّها اعتقدت نفسها في الكاراج…

أمثال أنتيلية -جزر الأنتيل


- يتألّم المسمار بقدر ما يتألّم الخشب.
- تستطيع إجبار الحمار على اجتياز المياه، لكنّك لا تستطيع إجباره على الشرب.
- صدّق نصف ما ترى ولا شيء ممّا تسمع.
- عندما يغيب الهر، تقيم الفئران حفلة راقصة.
- وضع النظارتين لا يعني معرفة القراءة.

هيبة الدولة وحكم القانون


كما أنّ كلّ فردٍ من المجتمع يخطئ، فإنّ القيّمين على الدولة ليسوا آلهةً منزلين… الخطأ ليس بعيب أن تمّ إصلاحه، لكن إن تُرك ليتراكم مع الملايين من الأخطاء، لدرجةِ أنّ العمل الصالح يصبح ضرباً من الغباوة، نصبح في حالةٍ من المرض العضال المزمن، ونهاية الدولة تكون الموت (وإن لم يعجب البعض بهذه السوداوية)…

الساسة في بلدي فيهم كلّ شيء إلا السياسة… عندما تراهم عند الساعة الثامنة في النشرات، لا يختلف المشهد عليك كثيراً عمّا تراه قبل ساعة… فيلم مكسيكي… وكلّ واحدٍ منهم مثل واحدةٍ من الجميلات المغرومات بالبطل، يضربن بعضهنّ وينزعن شعرهنّ… لقد أخذته منّي أيتها الحقيرة، تباً لك… لن أدعك تسلبيه منّي… إنّه حبّي وحدي… وحدي أنا… ويجنّ الجمهور، كلّ بحسب قربته من بطلةٍ جميلة… وكلّ جميلة معها حق، لأنّها حاملٌ من البطل… ولا يعقل بأن تضحي لأجل أخرى…
والبطل في لبنان لمن لا يعرف كناية عن كرسي…
أخيراً وليس آخراً، اختار البطل واحدةً من الجميلات… فأمسكت به تحت راية هيبة الدولة… عفواً… هيئة الدولة… وراحت تضاجعه ليل نهار، ناسيةً أنّ عليها أن تنظف البيت وتطبخ للجائعين و… ولم تترك للجميلات الأخريات إلا الإنتقام…
فمرحباً بالثقافة… ثقافة الحقد… التفاهة… الكذب… اللامبالاة… والأخذ بالثأر…
أمّا حكم القانون السلام على اسمه… ما زال قابعاً على الورق منتظراً ليعرف نفسه إن كان قبعة، أو جراب، أو حذاء… أو مجرد نعل يدوس فيه حامله على من يعترضون طريقه…

لا شكّ أنّ الكثير من المجرمين تعطّلت أعمالهم في أيّام السلم الشكلي… وصلواتهم كانت ولا تزال تصدح استحضاراً لروح الحرب…
ليس بعيداً عن عيون الدولة، وبكلّ ثقة أمهرها باسمه: “يا زعيمي ويا عينيّي، سلّحني والباقي عليّ”… يافطة كبيرة تشقّ سماء البلد… ولينزلها من هو ابن أمّه وأبيه…
المجرمون يبحثون عن عمل… وصارت دعايتهم بجانب دعايات العطور وقرطاس والوادي الأخضر… فلمن يهمّه الأمر!

ومن وحي المناسبة، ألف مبروكٍ لنا جائزة نوبل للقصص الخيالية 2006… زيدت خصيصاً هذه السنة لأجل لبنان… ونالها الكتاب الصحفيين ومذيعو النشرات الإخبارية اللبنانية مجتمعين، وفاءًً لجهودهم الجبارة في إيصال أجمل المواضيع التي لا يمكن أن تخطر على بال… وتقديراً لتحقيقهم أكبر عدد مهاجرين من البلد…

قبل النهاية أتوّجه بالشكر لكلّ رؤساء الطوائف على ولائهم المطلق للإقطاعية، وعلى نسيان الله…
أمّا إلى الشعب ال”لبناميركيراني والسعوريسرائيلي” فأتمنى له عاماً سعيداً مليئاً بالسلام والمواطنية اللبنانية… آملاً أن ينتهي قريباً فيلم الألف “…” وشكراً…

الكذب


عادةٌ من أقبح العادات، أمّ الخطايا التي لا ينزّه عنها أيّ إنسان…
وأكثر من يكذب على الأرض هم السياسيون، فما أكثر الكذبة في هذا الزمان…
يرمون أباطيلهم ووعودهم الذهبية، حتى تصمّ بسببهم الآذان…
وبما أنّ كذبةً واحدةً تستدعي الآلاف، لا يسع أحدنا القول أنّه حقّاً ندمان…
وصايا الله لم يسمعها أحد، وقد لا يبقى له كحلّ إلا القضاء على كلّ لسان…
لكن حتى ولو فعل ذلك، يمكن حينها لأيّ اثنين بالإيماء أن يكذبان…