This website is being formatted... please be patient until we finish our upgrading...

الأحد، أيار ٠٦، ٢٠٠٧

قصّتنا مع ضوء البلديّة



كنّا نملك ديكاً ذاع صيته في كلّ القرية، فصيحته كانت المنبّه الذي يوقظ كلّ المزارعين… ما إن تلوح الزُرقة من خلف الجبال، حتى يقف منتصباً على أقوام القش ويبدأ بالصراخ: استيقظوا، ها الصباح قد أتى، والنهار ليس للكسالى… قوموا إلى العمل…
كانت ساعتنا طبيعيّة، تتأقلم معنا، وتعرف فصولنا… حتّى أنها كانت تزيد ساعة وتنقص أخرى في نيسان وتشرين…
بما أنّ بلدتنا صغيرة، فقد حُرِمت من بلديّةٍ تهتمّ بتنسيق أمورها… وكان أيّ عمل يقوم على وساطة واحدٍ من الوجهاء، الذي يستخدم كونه “مفتاحاً” ليقنع القيادات بالتحنّن علينا… في يومٍ من الأيّام رأى أحدهم أنّ القرية مقفرة في الليل، وأنّه لا بدّ من إنارتها… وكان ما كان، فوُضعت المنارات على كلّ الأعمدة، وبسحر ساحر صار “القمر جارنا” لا بل الأقمار والكواكب… فرح الناس وقالوا: ليُنِر الله درب الذي أنار دروبنا…
أطال الأهالي سهرتهم في اليوم الأوّل، فساروا في دروب القرية ذهاباً وإياباً مرّاتٍ عديدة إلى أن غلبهم النعاس… دخلوا غرفهم وبدأت عيونهم بالرقاد… وما إن فعلوا حتى بدأ ديكنا بالصياح… ” استيقظوا، ها الصباح قد أتى، والنهار ليس للكسالى… قوموا إلى العمل…”. قالوا سيهدأ بعد قليل، وضعوا الوسادات فوق رؤوسهم… لم ينفع شيء… الوقت يمرّ والديك يستمرّ بالصراخ، لا بل يزيد أكثر فأكثر… لم يخطر ببال أحدهم يوماً كيف يمكن لطائر صغير أن يصدر صوتاً أزعج من بوق سيارة!
لم ينم الكثيرون طوال الليل… وفي اليوم التالي جاءتنا الشكاوى… “إنّ ديككم مزعجٌ جدّاً… أرجوكم جِدوا له حلاً”…
تفقّدناه، فوجدناه منهكاً هامداً في زاوية البستان… بالكاد تحرّك لمّا اقتربنا منه… عيناه حمراوتين… قلنا: المسكين لم يعتد بعد على الضوء في الليل…
زرناه بعد الظهر، ولم يكن قد أكل من طعامه شيئاً…
جاءت ليلةٌ أخرى، وما إن انتصف الليل وخفّت حركة الناس، بدأ الصياح: “استيقظوا، ها الصباح قد أتى، والنهار ليس للكسالى… قوموا إلى العمل”. بقي يصرخ حتى الصباح، ولم ينم كثيرون…
كلّ النهار التالي قضاه هامداً تحت شجرة الليمون… أنهكته حنجرته وخلاياه الدماغية التي برمجته على ما يفعل… لم يأكل شيئاً… قبضنا عليه بكلّ سهولة، وضعناه في قفص وغطّيناه كي لا يرى النور… وفي اليوم التالي وجدناه جثة هامدة…
حزنت كثيراً… وغضبت أكثر… حتى أنّي لعَنتُ الكهرباء وأضواء “البلديّة”… ومن حينها لم تضء هذه الأنوار… ولم تعد الكهرباء تزور قريتنا… مَن يدري، قد أكون أنا وديكي السبب، وليس الحكومة…
بكلّ الأحوال، لست حزيناً لانقطاع التيّار، فعلى الأقل صرت أستطيع رؤية النجوم من جديد… وموت الديك تساقط نِعماً على هذه الطيور، فمِن حينها والناس في قريتي يمتنعون عن أكل الدجاج، طبعاً لأنّ من هذا القنّ خرج شهيد، ضحّى بنفسه فداءً عن مبدأ “الصياح على الساعة”…

ليست هناك تعليقات: