This website is being formatted... please be patient until we finish our upgrading...

الثلاثاء، كانون الثاني ١٠، ٢٠٠٦

مرضٌ أم عقاب؟


كان الطيش يملأ رأسه منذ صغره… وككل أبناء جيله لم يدع شيئاً يمرّ من أمامه إلا وحصل عليه… فلم يوفّر لا الفتيات، ولا السجائر، ولا حتى المخدرات… كان يتباهى عليهم… كم صاحب من فتيات؟… كم مرّة مارس الجنس في اليوم؟…
كانت الدنيا في ناظريه مطية فرس… إلى أن أتى اليوم الذي دبّ الذعر في قلوب الشباب، إذ علموا أنّ واحدةً من الفتيات التي يحومون حولها حاملة لفيروس السيدا… وكان شابّنا العزيز واحداً منهم… فتطايروا صوب المختبرات وكلّ واحدٍ كان يتلقى نتيجته وهو مغمضٌ عينيه ( مع التذكير بأن فحص السيدا يكون مفيداً إن أجري بين اليوم الخامس عشر والشهر بعد التعرض، وهذا متعلق بنوعية الفحص الذي يملكه المختبر، لكن ليس هناك بعد من فحوصٍ ممكن أن تكشفه قبل مرور أسبوعين على التعرّض)…
يومها بدأت قصة شابّناالمسكين… فقد رفضت العاملة التقنية في المختبر إعطاءه النتيجة، وطلبت منه أن يأتي في اليوم التالي ليستلمها من الطبيب شخصياً… سألها عن السبب فقالت: إفرح ليلةً بعد… حلّت كلماتها عليه كثقل الجبال… انعقد لسانه… وخرج ليعدّ من حينها الثواني ليقابل الطبيب في اليوم التالي… لم ينم طول الليل… كان يرتعش من الخوف هو من كان يخيف كلّ أبناء الحي بحجمه وقوّته…
في اليوم التالي زفّ إليه طبيب المختبر الخبر المريع… فخرج متثاقلاً لا يرى أمامه… واسودّت الدنيا في ناظريه… فغرق في غرفته حزيناً يائساً… أطفأ جهازه الخليوي، وأغلق أبوابه بإحكام… بين يديه المرتجفتين كان يحمل ورقة الفحص غير قادرٍ على التصديق… لماذا؟… لماذا أنا؟… امتلأت عيناه بالدموع… وأحسّ بغصّة كادت تخنقه…
في هذه الأثناء، كانت عاملة المختبر تبثّ في كلّ المنطقة الخبر ( خارقةً بذلك قانون السريّة الطبيّة وقواعد الأخلاق)…
فعرف كلّ أبناء الحي… وأصدقاءه الشباب… والبنات… ووصل الخبر إلى أذني مدير البنك الذي كان يعمل فيه فطرده…
تركه الجميع وحيداً… صار مثل العدوى… أو المرض بحدّ ذاته… لم يعد يزوره أحد… أبعد الأطفال عن دروبه… مطاعم المنطقة رفضت استقباله…
رفاقه صاروا يزدرونه… ونعتوه بألفاظ نابية…
احتاج المال فنكره الجميع… أقلّ ما قيل له ممّن قضى معهم أوقات الفرح الزائل: ابتعد عنّي يا هذا… إنسى أنّك تعرفني…
حتى أهله صاروا يعتبروه عاراً عليهم، وأنّه هو من لطّخ سمعتهم بأوسخ شيء ( بينما كان في نظرهم دون جوان عصره قبل الإصابة)…حتى في نظره، كان كمن سقط من أعلى البرج ولم يعد فيه شيءٌ ينفع… ما فائدة الحياة بعد بالنسبة إليه… ما مستقبله… ماذا سيحصل…الأفكار كانت تملأ رأسه في التهار، وتؤرقه في الليل…أينتحر وينتهي من هذا العذاب؟…
لسببٍ لا يعرفه إلا هو لم يقتل نفسه…في أحد الأيّام أصابه إلتهابٌ رئوي، وكان يحتاج لدخول المستشفى، لكن رفضته كلّ المستشفيات لأنّه يحمل فيروس السيدا… فكان لا بدّ من أن يراه طبيب اختصاصي في هذا المرض… فأوصله سائق كاهن الرعية إلى عيادة الطبيب…وهناك سرد الشاب المنهار قصّته للطبيب، الذي فاجأه وهو يقول:
من أذاعت مرضك للناس تستحق السجن…
من طردك من عملك هو مجرمٌ بحقّ الإنسانية… فمرضك لا يعدي لا باللمس ولا بالنفس ولا بالعناق… ولا أعتقد أنّكم كنتم تمارسون الجنس على طاولات العمل، أو تقضون النهار وأنتم تنقلون الدماء لبعضكم…
المستشفى التي رفضتك يجب أن تقفل بالشمع الأحمر…
مرضك يا سيد، هو مرض ككلّ الأمراض المزمنة… كالسكري مثلاً… وله علاج مجاني ( على نفقة وزارة الصحة)…ما عليك يا سيد هو أن تتّقي بعض الأمور…
فلا علاقات جنسية بدون وقاية (وبدون علاقات أفضل)… لا مشاركة لفرشاة الأسنان، أدوات الحلاقة وكلّ الأشياء المسننّة مع الآخرين… وممنوعٌ عليك أن تتبرع بالدم للآخرين…إن أخذت دواءك بالشكل الصحيح بإمكانك أن تكون شخصاً طبيعياً ( دون النسيان أنّك دوماً معدٍ)…
هل المرض برأيكم عقابٌ على خطيئةٍ نقترفها؟…
أليس من أدانوا هذا الشخص على خطيئته خطأةٌ أيضا؟ً…
لماذا تركه أصدقاؤه عندما أصيب، بينما كانوا ولا يزالون متبارين فيما بينهم على نفس الشيء؟…
لماذا لم ينبّهه أهله في البداية؟…
أليس ما كان يفعله في البدء عاراً عليهم أكثر؟…
أسئلةٌ لضمير القراء…

ليست هناك تعليقات: