This website is being formatted... please be patient until we finish our upgrading...

الجمعة، شباط ٠٣، ٢٠٠٦

الاستقرار والانهيار...


النظام، كلمة تكاد لا تفارق أفواه مذيعي الأخبار ولا أقلام الصحفيين، ونحن نمرّ بقربها كلّ يومٍ مرور الكرام. قاموسياً فهو يعني: ما يسيّر، أو ما يدير، أو ما ينسق، أو ما يقود... ومن صفاته اللغوية: القيادة، السيطرة، التنسيق، الإدارة، التعاطي، التطور، التأقلم... والأنظمة العالمية الحالية مقسّمة بين ديموقراطية، إشتراكية، ديكتاتورية، رأسمالية ،راديكالية وملكيّة.
من يركّز قليلاً في المعنى يعرف على الفور أنّ النظام يسيّر ويدير، ينسق ويقود. ولا يمكنه أن يكون واحداً من المعاني لوحده... ما أقصده هنا هو النظام المثالي. فالنظام الذي يسيّر فقط هو الديكتاتوري... والذي يدير فقط هو مجرّد تكنوقراط... الذي ينسق ويتطور هو الديموقراطي... والنظام الذي يقود هو من يملك كلّ هذه الصفات...
ومن يمعن النظر في أنظمتنا العربية يجد أنّ فيها حفنةٌ صغيرة من كلّ ما ذكرت، وتكون صفاتها حسب الحفنة الأكبر حجماً. وطبعاً السيطرة هي الأكبر عند الأكثرية...
قد يكون فيها بعض مظاهر الديموقراطية... لكنّها تبقى مظاهر... فهي كذلك فقط يوم الإنتخابات... فما من شكّ في صدقية الإنتخابات في العدد الأكبر من هذه البلدان... لكن هناك شك في ظروف الإنتخابات، أكانت شعارات أو تحمية طائفية أو شراء مفاتيح إنتخابية أو شراء الناس عبر الضغط الترهيبي أو الترغيبي (المال)، ناهيك عن استغلال حلقة الفقر المفرغة التي أغرق بها النظام شعبه...
هي إشتراكية في بعض زواياها... لكنّ المشتركين فقط هم الطبقة الفقيرة العاملة... وهي لا تنطبق على البكوات...
هي رأسمالية فقط بأشخاصها الحاكمين... طبعاً فالمال هو حارس الكراسي وتاجرها... لكنّها تفتقد إلى هدف التطور، بهدف إبقاء الناس في الحلقة المميتة...
هي ديكتاتورية لأنّها تستأثر بالسلطة دون أخذ آراء الناس واعتبار أنّ كل ما يقولوه خيانة وتآمر...
هي راديكالية لأنّ تنوّع الطوائف المطعّمة بالطائفية العمياء ينفي الوطن ويفتح آفاق أطماع التوحّد الذاتي والتقسيم... ويغيّب عادةً مبدأ الوطن أو يسحب من التداول في الأوساط الجماهيرية... لأنه هو الحل الوحيد للحلقة المفرغة...
هي ملكية لأنّ الحكم يرتكز على شخصٍ واحد دون سواه... ولا يمكن للشعب مجرد التفكير أنّه سيموت يوماً لأنّ ذلك سيعني موت الوطن... لكن ما إن يموت يتفاجأ الجميع بابنٍ محضّر في مكانٍ ما ليحلّ مكانه... وتحلّ الفرحة... فيموت الملك ويحيا الملك... والناس يزداد فرحهم لأنّ أذهانهم ثقيلة، ولا يمكنهم تحمّل فكرة تغيير إسم قائدهم المبجّل...

جميلٌ جداً تنوّع أنظمتنا... فهي نسخة طبق الأصل عنّا... فنحن لا نعرف معنى النظام الحقيقي... نحن نلوم أنظمتنا العظيمة على ذلك، لكننا في الحقيقة يجب أن نلوم أنفسنا... وأذكر هنا هذه الكلمات المبجلة: كما تكونون يولّى عليكم...
فنحن أشخاصٌ فاسدين، ولا يمكن لنا الاستمرار إلا في أنظمةٍ نتبادل معها الخدمات... "أبيعك ما تريد مقابل صمتك عن أخطائي"...
نحن أشخاص نحبّ الذل... ونحبّ أن نحني رؤوسنا أمام عظمائنا الحكام... فإن بصقوا في وجهنا نعتبرها بركة... إن نكّلوا بنا فهذا لمصلحة الأمن القومي... إن سلبوا حقوقنا نشكرهم لأنّنا أصلاً لا نستحقها...
هل فكر أحدكم يوماً ماذا يحسّ قادتنا عندما يكون الناس راكعين عند أقدامهم لطلب وظيفة هي أصلاً حقٌّ لهم... يحسون أنهم آلهة زمانهم... يتحننون بنظرة إلى المساكين... ولا يقومون بعملٍ إلا ليراهم التعساء... يغدقون على واحدٍ ويحرمون مليوناً... طبعاً فليس لديهم الوقت لأمثالنا نحن الحثالة... فننتظر كذلك الكسيح المسكين الذي لم يستطع الوصول إلى البركة ليشفى لأنّ هناك من يسبقه دوماً عندما يحرّك "الملاك" الماء فيها...
قد يكون لنا قلب... لكن ليس فينا من فكر... تقودنا العاطفة والعصبية... فيدفعونا أمواجاً بأيّ جهةٍ يريدون، ويجعلونا نتلاشى ونختفي بمجرد وصولنا إلى أي برّ، إذ يجب ألا نرسو أبداً...

هل فكر أحدكم يوماً ما يخيف النظام وما يجعله قوياً؟... هو حضراتكم أيّها السادة... فهذه الأنظمة الهشة تخشى دوماً أن يستفيق أحدكم من سبات الشعارات التافهة والوطنية الزائفة والطائفية المسمومة، ليقلب الدنيا على رأسهم... وهي ترفض دوماً الاعتماد عليكم رغم أنّكم قوّتها الوحيدة الحقيقية... لا بل تبقى دوماً في حالة عداء طوعاً أو قسراً، غير عابئةٍ بما قيل: "لو دامت لغيرك لما آلت إليك"...
فماذا يخشى النظام إن كان شعبه كلّه نظام؟... لماذا يخاف النظام إن كان لخدمة شعبه لا لخدمة مصالحه الشخصية ومصالح عواصم القرار؟... لماذا عليه أن يستجدي دولاً أخرى لاستقراره أو انهياره؟... من ذا الذي جعلها دول قرار غير جهلنا وأنانيتنا وآنيّتنا؟...

د. ساسين النبّوت
http://www.kadmous.org/

ليست هناك تعليقات: