This website is being formatted... please be patient until we finish our upgrading...

الثلاثاء، أيلول ٢٠، ٢٠٠٥

ترابٌ يبكي...

قال الميت:
صرت تراباً في القبر حيث رميت لأبقى وحيداً...
وحيداً بعد أن قضيت أيّامي بين الناس...
قضيتها فانطبعت حياتي على كتبٍ في عقولهم...
حياتي التي لم يبقَ منها إلا ما علِق على تلك الكتب من ذكريات...
أوراقٌ قرأها عنهم الجهد والهم والانشغال...
قرأها فمزّق ما تبقى منها...
ما تبقى الذي صار ضعيفاً فطار مع رياح النسيان...
رياحٌ هبّت مع مرور الأيّام فمحت أيّامي...
أيّامي التي نقّبت فيها هذه الأرض...
نقّبت فحوّلت التراب ببذار المحبّة إلى خبزٍ للأجيال...
التراب الذي صرته الآن...
صرته فإذا بي سجينٌ في قفص القبر...
سجينٌ لا ينفع الأحياء كما ينفعهم التراب الحقيقي...
الأحياء الذين أنتظر مرورهم قربي...
أنتظر لأرى إن كان هناك من ينبض قلبه بالحياة...
إن كان هناك من سيخرج ترابي من القبر، من النسيان...
إن كان هناك من سيخرق الخوف ليبذر بذاره عليّ في أرضه...
إن كان هناك من يهتمّ لأمري فيجعلني أستمرّ بإعطاء الخبز للأجيال...
من يجعلني أحسّ من جديد بالحياة... الحياة... آه!!! وراح التراب يبكي ويبكي...

فقلت:
ها هو التراب يبكي لأنّ أحداً منّا لم يأبه له...
هو من كان في يومٍ من الأيام ممتلئاً بالحياة...
من يحنّ في كلّ يومٍ إلى الحياة...
يحنّ إليها ويحبّها أكثر ممّا يفعل أحياءٌ مثلنا...
أحياءٌ بكوا على القليل الذي ضاع ولم ينظروا إلى الحبّ، إلى المعرفة، إلى العمل...
لم ينظروا إلى الحياة... كي يفرحوا بها... كي يحبّوها...

هذه الكلمات هي لكلّ من تكسره الصعوبات كي لا يستسلم...
لكلّ من يغرقه الحزن كي لا يختنق...
لكلّ من يحسّ بالألم كي يحبّ الحياة...

د. ساسين ميشال النبّوت

ليست هناك تعليقات: