“يومٌ عاصفٌ من الإتهمات والنعوت”… طبعاً إنّه وصفٌ ينطبق على كلّ أيامنا نحن اللبنانيين، لأن حضرات “ما يسمّى بالسياسيين” عندنا يؤخذ عليهم أنّه ضليعون باللغة العربية وبالعروبة… فلا يتورّعون عن استعمال كلّ فعلٍ في غير محله إذ يحقّ لهم ما لا يحقّ لغيرهم… والفاعل الظاهر مَحاوِر وخرائط، بينما الحقيقي متخفٍّ في عين الحلوة أو برمودا، من يعرف؟!
يضاف إليه عددٌ من الرسوم التشبيهيّة وبعض الأمثال، فيجرّ الردود الجارفة المستنكرة من كلّ حدبٍ وصوب، وما من داعٍ للتذكير بعدد أدوات الجرّ التي يملكون… والمفعول به الوحيد هو المواطن المسكين الذي لا هدف له إلا أن يعيش في وطنه بعزّة نفس…
وبما أنّ كلّ شيء عندنا مبني على الزور والاستكبار، سحب السياسيون الثقة من شعبنا بدل أن ننتزعها نحن منهم… فصرنا نتناطح يمنةً ويسرةً، ونتمنّى ألا يسمع أحد موقفنا الحقيقي. طبعاً نحن ملزمين بخطٍ معيّن يرسموه هم عنّا قبل أن نولد… والخروج من السرب يعدّ خيانة. وكما نعرف جميعاً أن خيانة الزعامة خطيئة، أمّا الزنى بالوطن عبر هذه الزعامة فحلال…
حاولت اليوم أن ألجم غضبي، فأقفلت على نفسي تاركاً عواصف النهار في غرفةٍ أخرى… وقلت: أودّ أن أفكّر ماذا يفعل هؤلاء المتحكّمين بمصيرنا في الليل، متناسياً أيّام استضافتهم في حلقات إذاعيّة…
ماذا يفعلون؟
أيحاسبون أنفسهم على ما اقترفوه في النهار كي يناموا مرتاحين من وخز الضمير؟! لا تصدّقوني، إنّي أمازحكم كي نخرج قليلاً من الأجواء المتلبّدة…
أيحسّون بالنشوة لأنّ الجماهير صفّقت لهم في النهار، وردّدت السباب من ورائهم؟! إحتمالٌ حظوظه قليلة لأنّ الشعب لا يعنيهم، وهم لا يسمعون أصلاً إلا صوتهم الشخصي…
أيبكون لأنّ الوضع الذي آلت إليه البلاد لا نحسد عليه؟ إحتمالٌ أيضاً، لكنّه ملغىً لأن من هو بعظمتهم ممنوع عليه البكاء (بروتوكوليّاً)…
أيجمعون تصريحات خصومهم وأصدقائهم، والردود، كما الردود على الردود؟! إحتمالٌ وارد، فهذه هوايتهم المفضلة. لكنّ حظوظها قليلة والسبب يعود إلى أنّهم إرتجاليون وانفعاليون وإن قالوا أيّ كلمة تردّ عليهم الغيوم بالبروق والرعود…
أيتابعون الأخبار؟ ما من داع، فهم لا يسمعون إلا إلى أذاعاتهم، التي تنسى الوطن عندما تجود عن مآثرهم، ولا تذكره إلا عندما يتعلّق الأمر بإلغاء الآخرين وتسفيههم…
ماذا يفعلون إذن؟
فهم لا يحضّرون العشاء، ولا يقرأون القصص…
لا أعرف ما رأيكم، لكنّي أعتقد أنّهم يجلسون قرب الهاتف منتظرين أن يتّصل بهم “المعلّم” (كائناً من كان)، ليباركهم قائلاً: أحسنتم الفعل، ولست ندماناً أبداً على إدخالكم في فرقتي، ولا على إعطائكم مفتاح مغارة اللصوص…